المقالات

مأزق التدخل الأجنبي في سوريا – بقلم: معن بشور

ترتبك مراكز القرار في واشنطن وتل أبيب وباريس ولندن وصولاً إلى أنقره في التعامل مع الأزمة السورية لا سيّما لجهة اعتماد السياسة الأمثل في تهيئة الأجواء لتدخل أجنبي  وأسمه الملطف “التدويل”.
فالبعض يلاحظ أن التصريحات اليومية والمتصاعدة المناوئة للرئيس السوري تؤدي إلى نتائج معاكسة لما يشتهيه هؤلاء، فهي تثير لدى السوريين إحساساً وطنياً عالياً، كما تثير لديهم مخاوف كبرى من أن تتكرر في بلادهم تجارب مريرة ودامية ومدمرة شهدوها في دول أخرى عرفت تدخلاً أجنبياً حمل إليها الويلات والمصائب على كل صعيد.
والبعض الآخر، يلاحظ أن السكوت عن التصعيد ضد دمشق، سيؤدي إلى إحباط قوى محلية وعربية تورطت في إعلان مواقفها المعادية للنظام السوري، وكانت تمني النفس بتدخل خارجي على غرار ما جرى في العراق، أو في ليبيا، أو أقلّه في لبنان الذي ما زال يعاني حتى الآن من تداعيات الغزو الصهيوني والتدخلات الأمريكية والفرنسية.
ولقد بات واضحاً للجميع إن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه هؤلاء في التعامل مع الأزمة السورية أنهم اندفعوا في سياسات أخذت تغلّب العامل الخارجي على العامل الداخلي ، وعسكرة الاحتجاجات على سلميتها، ومعارضة الخارج على معارضة الداخل، والإثارة الطائفية على الفكرة المدنية، بما أعطى عناصر قوة اكبر للنظام الذي بدا أنه مستهدف من الأعداء التاريخيين لسوريا والأمة الذين حاربوا سوريا وحاصروها منذ استقلالها.
ويزداد مأزق التدخل الخارجي، بتجلياته الرسمية العربية والغربية، مع الترويج لفكرة العقوبات الاقتصادية التي بات واضحاً أنها تصيب الشعب السوري الذي يدعي أصحاب العقوبات حرصهم على حمايته، كما يزداد هذا المأزق حين تنفتح أمام سوريا آفاق إقليمية وعالمية جديدة، بل أسواق لمنتوجاتها النفطية والزراعية والصناعية عبر دول كبرى ومجاورة أخذت تدرك أن ما بدا وكأنه صراع في سوريا أن يتحول إلى صراع على سوريا، وان هذا الصراع سيؤدي حتماً إلى أحد أمرين أما إلى نجاح قوى الهيمنة العالمية وعلى رأسها واشنطن بكل نتائجه على المستويات الإقليمية والدولية أو إلى فشل هذه القوى بما يعنيه من انتصار لإرادة التحرر والمقاومة في المنطقة والعالم.
وينكشف هذا المأزق أيضاً وأيضاً مع سقوط التعريف الأمريكي والصهيوني والأوروبي لما يسمى “المجتمع الدولي”، خصوصاً مع اتساع الوعي في سوريا والأمة والعالم بأن مجتمعاً دولياً أخراً قد بدأ بالتشكل على قاعدة رفض التدخل الخارجي في سوريا كما رفض الهيمنة الغربية في العالم، وان قوام هذا المجتمع يشكل ثلثي سكان العالم، وأكثر من نصف الاقتصاد العالمي ، ناهيك عن أن دوله الناشئة تتقدم في مسار متصاعدة فيما دول المجتمع الدولي القديم تتخبط  بأزمات اقتصادية ومالية واجتماعية، وحتى سياسية لم يعد ممكناً حلّها إلا بعون يقدمه المجتمع الجديد لا سيّما في الصين وروسيا والهند وأمريكا اللاتينية وصولاً إلى جنوب أفريقيا.
أما ازدواجية المعايير فهي التعبير الصارخ الآخر عن عمق هذا المأزق، اذ لم يعد أي عاقل في المنطقة والعالم يصدق إن النظام الرسمي العربي بقيادته “الجديدة” المتمثلة بمجلس التعاون الخليجي يشكل قاطرة العمل من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وان واشنطن المغمسّة سياساتها بدماء ملايين العراقيين والأفغان وغيرهم حريصة على دماء السوريين، وان الحلف الأطلسي ذا التجربة الدموية الخطيرة في يوغوسلافيا قبل تفتيتها،  وفي أفغانستان قبل احتلالها وبعده، هو نصير صادق لحياة السوريين وأمنهم ووحدتهم، ناهيك عن جرائم الكيان الصهيوني المتواصلة والمتمادية في فلسطين ولبنان، ومصر وسوريا، وهي الجرائم المحتضنة إلى ابعد الحدود من رعاة حقوق الإنسان في الغرب الأمريكي والأوروبي….
ولعلّها من المفارقات المضحكة المبكية في آن، هو ان السيد نبيل العربي، الذي توسمنا فيه خيراً يوم انتخابه أميناً عاماً لجامعة الدول العربية قال في معرض نفيه لاتخاذ عقوبات ضد سوريا  أنها مجرد “مقاطعة” لبلد عربي، متناسياً إن المكتب الدائم لمقاطعة الكيان الصهيوني، وهو منظمة تابعة لجامعة الدول العربية، قد بات طي النسيان وقراراته نائمة في الأدراج، حتى لا نتحدث عن دور بعض أنظمة المقاطعة لسوريا في كسر المقاطعة للعدو الصهيوني، وفي فتح أبواب التطبيع معه…
إلا أن مأزق التدخل الخارجي لا يعفينا من مسؤولية المعالجة الداخلية، الجذرية والجريئة، للأزمة الدائرة اليوم في سوريا ووقف العنف الدموي، أياً كان مصدره، واستعجال الحوار الشامل لتحقيق الإصلاح المرتكز على الحرية والتعددية وصون كرامة الإنسان وحقوقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى