مقالة تحليلية حديثة وموثقة عن القرار العقاري الأخير المتعلق بملكية القرنة السوداء، وموقعه ضمن النزاع بين بشري وبقاعصفرين: تحقيق صفاء أسعد

القرنة السوداء بين بشري وبقاعصفرين: حكم قضائي يعيد إشعال الجدل العقاري في الشمال
مقدمة
تشكل القرنة السوداء، أعلى قمة جبلية في لبنان وبلاد الشام (3088 مترًا)، رمزًا طبيعيًا وجغرافيًا وطنيًا، لكنها أيضًا بؤرة نزاع عقاري حاد بين بلدتي بشري من قضاء بشري، وبقاعصفرين من قضاء الضنية، يعود إلى عقود من الزمن. وفي حزيران 2025، أصدر القاضي العقاري في طرابلس قرارًا غير نهائي اعتبر فيه أن القرنة السوداء تتبع عقاريًا إلى بلدة بشري، ما فجّر موجة جديدة من ردود الفعل السياسية والشعبية، وفتح مجددًا ملفًا حساسًا يتعلق بالملكية، السيادة المحلية، والحدود الإدارية.
جذور النزاع العقاري
ترتبط جذور هذا النزاع بعوامل متعددة:
1- عدم وضوح الترسيم العقاري التاريخي بين أقضية الشمال (الضنية، بشري، زغرتا) في منطقة جبل المكمل.
2- تضارب الخرائط الرسمية، حيث تستند بشري إلى مستندات عقارية قديمة ومسح فرنسي يعود إلى أوائل القرن العشرين، فيما تستند بقاعصفرين إلى الخرائط الصادرة عن مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، والتي تُظهر القمة ضمن نطاقها.
3- الاستعمال التاريخي للأرض، حيث يؤكد أبناء بقاعصفرين أن أراضيهم تمتد إلى القمة، وأنهم استخدموها تاريخيًا للرعي والزراعة الصيفية، ما يعزز مفهوم “الحق بالاستعمال”.
قرار القاضي العقاري: ماذا يقول؟
بتاريخ 24 حزيران 2025، أصدر القاضي العقاري في طرابلس قرارًا اعتبر فيه أن “القرنة السوداء تقع ضمن العقارات التابعة لبشري”، بناءً على دعوى قديمة قدمتها بلدية بشري وأُعيد تحريكها مؤخرًا.
ورحّبت بشري بالقرار، حيث اعتبرته النائب ستريدا جعجع انتصارًا للحق والقانون، وقالت في بيان رسمي:
“القرار أظهر أن القرنة السوداء من أملاك بشري، استنادًا إلى وثائق عقارية لا لبس فيها”.
في المقابل، اعتبرت بلدية بقاعصفرين القرار مجحفًا، وأكدت في بيان صدر في اليوم نفسه أن القرار:
“يتناقض مع الخرائط الرسمية للجيش اللبناني، ويتجاوز حدود الصلاحية القانونية للقاضي العقاري، الذي لا يملك صلاحية تعديل الحدود الإدارية بين الأقضية”.
الطابع القانوني للقرار: هل هو نهائي؟
رغم ما أثير من جدل، يُعتبر الحكم الصادر إعداديًا وغير نهائي، بحسب ما صرح به النائب جهاد الصمد، مشددًا على أن:
“الحدود بين الأقضية لا يحددها قاضٍ عقاري، بل تحتاج إلى قانون صادر عن مجلس النواب”.
وبالتالي، فإن القرار:
• قابل للطعن والاعتراض أمام الجهة نفسها أو أمام مراجع قضائية أعلى.
• لا يُنشئ حدودًا إدارية بين الأقضية، بل يحدد ملكية عقارية ضمن نطاق المساحة العقارية فقط.
• قد تكون له تداعيات بيئية وتنموية، خاصة إذا ما أُدرج في ملفات استثمارية أو تخطيطية في المستقبل.
أبعاد النزاع: بين القانون والسياسة
يحمل هذا النزاع أبعادًا أوسع من مجرد خلاف عقاري:
• من الناحية البيئية، القرنة السوداء تشكّل خزانًا مائيًا حيويًا، وتنبع منها عدة ينابيع مهمة، أبرزها مغذي نهر أبو علي.
• من الناحية السياسية، يعكس الصراع التوازنات المتوترة بين المناطق الجبلية المسيحية (بشري) والمناطق السنية الشمالية (الضنية)، خصوصًا في ظل ضعف مؤسسات الدولة.
• من الناحية التنموية، يشكل غياب الحسم العقاري والإداري عائقًا أمام استثمار السياحة الجبلية، أو إقامة محميات أو مشاريع بنى تحتية استراتيجية.
الخلاصة
قرار القاضي العقاري في طرابلس حول تبعية القرنة السوداء لبشري يعكس محاولات حثيثة لحسم نزاع عقاري شائك وطويل الأمد، لكنه لا يُنهي الخلاف، بل يُعيد تأطيره ضمن مسار قانوني يمكن أن يمتد سنوات.
فالملكية العقارية لا تزال محل اعتراض قانوني واضح من بقاعصفرين، والحدود الإدارية تبقى رهينة تشريع برلماني لم يصدر حتى اليوم.
يبقى أن يُعالج هذا الخلاف ضمن إطار وطني هادئ وشفاف، يحترم الحقوق التاريخية للسكان، ويضع في الحسبان أهمية حماية الموارد الطبيعية المشتركة بعيدًا عن التجاذبات الطائفية والمناطقية.
صفاء أسعد
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development