التحقيقات

الموناليزا – تحقيق: سارة مراد

مسرع نحو الهدف ، يستأذن من هذا ويعتذر من ذاك ، مندفع بين الحشد المصطف

والجميع يحاول الاقتراب مثله نحو  الزجاج الذي يعزل اللوحة … ثلاثة خطوات  اثنتين واحدة والتقط الصورة  أخيرا ، رغم أن يد الرجل العجوز أمامه ظهرت  في الصورة ولكن لا بأس … المهم استطاع اخيرا وبعد عنان أن يصل اليها .
وهكذا  على محموله  الان يوجد صورة  واحدة من اعظم اللوحات في العالم ” صورة الموناليزا ”  ابتهج  جورج المقيم في  فرنسا منذ اسابيع  ، وها هو  قد نفّذ المهمة الأولى بنجاح  فقد كانت زيارة المتحف بهدف رؤية هذه اللوحة أول مشروع ينوي تنفيذه هنا   ومن ثم يقوم بالتركيز في دراسته والجولات السياحية الأخرى ….

غادة شميسم 26 عاما تعمل على رسالة الدكتوراه في الرياضيات  في باريس  ، وبما أنها في عاصمة  الفن  فطبعا ولا بدّ من زيارة ” اللوفر “.
وبما أن الموناليزا هي اللوحة الوحيدة تقريبا التي تعرفها أو بالأحرى سمعت عنها وباسمها ، فكان عندها  الرغبة في زيارة القسم الذي توجد فيه   اللوحة ذات الشهرة العالمية ، فبدأت بتتبع الاشارات  والأسهم واحدة بعد الأخرى  … فهي اللوحة الوحيدة تقريبا في المتحف المشار اليها والى طريق الوصول اليها ..  وما  ان وصلت حتى صدمت أولا  بقياس اللوحة فقد كانت بمخيلتها أكبر بكثير  ، حتى انها لم تلقى اعجابها ، ألقت نظرة من بعيد  وأكملت  جولتها في المتحف …

”  أي السيدة ليزا the mona lisa”  بالانكليزية  
” La Gioconda “ وبالايطالية
وبكل اللغات ” اللوحة  الأكثر شهرة ذات الابتسامة الأسطورية التي حيّرت العالم ”  ويقال انها  سميت بالموناليزا نسبة لصاحبة الصورة ” مادونا ليزا دي انتونيو  ماريا جيراديني ”  ،وقد جاءت شهرتها من سر ابتسامتها ، فتارة ترى الموناليزا تبتسم لك ، وتارة أخرى تراها حزينة .
لصاحبها الرسام الايطالي “ليوناردو  دافينشي ”  ( 1452-1519) من أشهر فناني النهضة الايطاليين ، كان رساما ، نحاتا ، معماريا وعالما لا سيما في مجال علم التشريح ، البصريات ، وعلم الحركة والماء .
بدأ ليوناردو برسمها سنة 1503 واستمر بها حوالي ثلاث الى اربع  سنوات .
كثيرة هي القصص حول  ” شخصية الموناليزا  الحقيقية ”  فالبعض من يقول بأنها زوجة صديق له طلب منه أن يرسمها ، والبعض الاخر يقول بأنها زوجة صديق والده  ، وروايات أخرى تقول بأن ليوناردو رسم  نفسه على هيأة امراة لما لها من ملامح في الوجه تشبهه …
وأن  الوجه المرسوم ليس وجه امرأة مئة في المئة اذا  تمحصنا جيدا  ، ولكنها تبقى مجرد روايات ،  وذلك لأن اللوحة لم تكن تحمل أي معلومات عن موضوعها أو الشخص الذي يرسمه كباقي اللوحات …

سرقة اللوحة
سرقت اللوحة من المتحف في العام 1911  من قبل شاب فرنسي يدعى بيروجي كان يقوم بترميم اطارات اللوحات سرقها ثم أخفاها لديه ، الى ان ظهرت بعد عامين أي في العام 1913  وباعها لفنان ايطالي وما ان تأكد هذا الأخير بأنها اللوحة الأصلية حتى اخبر السلطات الايطالية التي ألقت القبض على السارق  .
فرح الايطاليون  ” بالموناليزا ” ولكن  عندما علمت فرنسا بذلك طالبت باللوحة ، فدارت المفاوضات بين الدولتين عبر القنوات الدبلوماسية وكادت العلاقات تنقطع ، ولكن فرنسا استطاعت استعادة اللوحة  والسارق أيضا .
تهافت المحاميون للدفاع عن هذا الشاب  ، والذي كانت  ذريعته ” بأنه قد أحب فتاة حبّا جما ولكنها توفيت  بعد فترة قصيرة ، وعندما شاهد لوحة الموناليزا وجد فيها حبيبته ماتيلدا  التي ماتت ، فلم يستطع الا أن يسرق اللوحة  ”    
وقد صدر الحكم عليه بالسجن لمدة عام واحد فقط ! ….           

قراءة وتحليل اللوحة  
ان لوحة بهذه الشهرة ،  وهذا الجدل الذي رافقها مذ ظهورها لا بدّ أن تتعدد التحليلات   الفنية  وحتى النفسية التي دفعت بالرسام الى رسمها ، والى الدخول في كلّ تفاصيل اللوحة وما وراء تلك الخطوط والتقنيات المستخدمة .
ومن الواضح جدا أن ليوناردو استخدم تقنية الدمج وتمازج الألوان وتدرجه بحيث لا تشعر بتغيّر اللون فجأة ،بشكل بارع ،  فكان في اللوحة شيئا من الضبابية  ، مما أعطاها صفة الواقعية ،  وهذا ما ميّزها عن  اللوحات  الأخرى في ذلك الوقت .
أظهر التحليل الذي أقيم بأشعة أكس بأن ليناردو قام بوضع على سطح اللوحة طبقة من المواد التي سمحت له بالتظليل والدمج بهذه البراعة .
كما استخدم للون الأسود أوكسيد المنغنيز  ليحصل على التأثير الدخاني ، وأضاف النحاس للحصول على انعكاسات زرقاء في الوجه خفيفة جدا .
قام العديد من المحللون بالتدقيق في كل جزء من اللوحة  فبعد التدقيق بالفم وابتسامته التي أخذت أولى الاهتمام ‘ ومن بعدها  نظرة العينين التي تكمل ما بدأت الابتسامة في ايصاله ، من حزن أو سعادة مبهمة ..
فاذا نظرنا الى الخلفية نرى بأن الجزء الأيمن العلوي يختلف عن الأيسر منه ، فالطبيعة في الأولى غير تلك في الثانية  ، ومما يؤكد ذلك أكثر بأن خط الأفق لا يتطابق ، وكأن وراء رأس المرأة هناك الجواب الذي يفسر  كيفية   الالتقاء المستحيل …
هذا المشهد الخلفي الضبابي الحزين يقطعه ابتسامة الموناليزا بوجهها وصدرها ويديها الذي تسلل الضوء عليهم بكل شفافية وهدوء ونعومة ، بملابسها البسيطة وشعرها المنسدل على طبيعته  ، فلا جواهر أو عقود أو اية زينة  أو تصنّع .
ان اللون الأسود في الملابس يضفي  الى الضبابية شيئا من الحزن والرصانة الواضحة في طريقة جلوس تلك المرأة وكيفية  وضع يديها واحدة فوق الأخرى .

اظهار العنصر الأساسي في اللوحة  يكون بطريقتين اما  وضعه في المنتصف ، و/ أو تسليط الضوء عليه .
فمن هنا نرى بأن المرأة مستحوزة  وسط اللوحة بلا شك فهي الموضوع الأساسي بها  .وقد  كان البعض أكثر دقة  ، فاذا قمنا برسم قطري اللوحة نجد بأنهما يلتقليان عند منطقة القلب  وهذا ما فسره البعض بأن اللوحة أعطت  القلب و ” الانسانية ” الأولوية  .
وقام اخرون بتقطيع اللوحة بشكل هرمي ، بحيث  تحتل اليدان  قاعدة الهرم ، فيعلو نظرك لاشعوريا الى قمة الهرم وهي الموضع الأهم  به ،  حيت  ” الرأس”  بالابتسامة  الذي فصلت وطولت تفسيراتها …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى