صحة وبيئة

البحث العلمي والعواصف بقلم الدكتورة ريم حمدي عبد اللطيف

لقد شهد مجال البحث العلمي ووسائل الاعلام العلمية والاجتماعية خلال الثلاث شهور الماضية عواصف من الابحاث المنشورة دوليا كلها تحوي في عنوانها على كلمة الكوفيد-١٩. وتضمنت معظم هذه الدراسات الكثير مما يوصف بحثيا بالتجارب السريرية.
ماذا حدث حتى تنهال هذه الابحاث بهذا الكم فيما يخص وباء الكوفيد- ١٩؟
لندرك جيدا ما قد حدث لابد وان نلم ببعض المفاهيم البحثية ببساطة وان صعبت.
اولا ما الهدف من البحث العلمي؟
الهدف الاساسي الدافع الىىالبحث العلمي هو توليد واثراء وتطوير المعارف في مختلف المجالات والعلوم، ليس هذا فقط وانما لابد من استخدام وتطويع هذه الانجازات البحثية لاحداث استراتيجيات علمية عملية تهدف الى ايجاد حلول للمشكلات التى تواجهها البيئة او المجتمع الذي تنتمي اليه الجهة البحثية. وعليه توجه امكانات البحث العلمي في اغلب الاوقات للبحوث التي تتطرق الى المشكلات ذات الاولوية للبلد الذي يقوم فيه البحث او للمجتمع البشري كله كنوع من الابتكار البحثي الموجه تبعا لما قد يضيفه هذا التخصص البحثي لايجاد الحلول المنشودة.
هل هذا مهم؟ نعم هام جدا.
لان التمويل البحثي تمتد حدودة المادية اذا ما كانت هذه المشكلة ذات اهمية قصوي و تهدد الكيان البشري.
هل ينطبق هذا على الكوفيد-١٩؟
بالتأكيد. ان جائحة الكوفيد-19 قد حققت شروط الاولوية بما لا يدع مجالا للشك، فكان الوباء بمثابة عاصفة عاتية اتت على كل من على وجه الكرة الارضية من الجنس البشري. لم تفرق هذه العاصفة بين انواع البشر ولا تقدم الدول ولا الاماكانات المادية، وانما دفعت الى انهيار النظام الصحي بالعديد من الدول المتقدمة مع توقف للانشطة الاقتصادية وركود التجارة.كما انها استنفزت الكثير من المستلزمات الطبية وازهقت ارواح الكثير من البشرمنهم الاطباء المكلفون بالتعامل مع هذا الوباء.
ماذا اذا؟
وجهات كل الجهات البحثية والتمويلية رسائل و دعوات تحث الباحثين على توجيه ابحاثهم الحالية للتعامل مع هذه الكارثة مؤكدة ان الاولوية في التمويل البحثي سوف يكون لصالح جائحة الكوفيد- ١٩ وكل ما يحفها من مشكلات ومخاطر على المستوى التشخيصي والعلاجي. ليس هذا فقط وانما صاحب هذا رسائل تشجيعية مستمرة من العديد من الدوريات المختصة بالنشر الدولي للبحوث العلمية مؤكدة هي الاخرى دعمها للباحثين في هذا المجال بحيث تكون الاولوية في نشر البحث العلمي لابحاث الكوفيد-١٩
ثم ماذا؟
انطلق الباحثون المتخصصون وغير المتخصصين من كل مكان يتقدمون بمشاريع بحثية تتضمن كلمة المرورللنشر الدولي الا وهي الكوفيد-١٩ للحصول على التمويل الفوري ونشر البحث في اسرع وقت لتسجيل النتايج وليكون سبقا للباحث والجهة الباحثة في عهد الكورونا.
هل هذا مفيد؟
بالطبع مفيد ومثرى للغاية ولكن لاهمية المشكلة والتعجل في الكشف عن العلاجات ذات الفاعلية القصوى والتي قد توقف العاصفة تم اعفاء الباحثين من الكثير من الاحترازات التي تضمن نزاهة البحث و مطابقته للمعايير الدولية. فنوهت معظم ان لم يكن كل دوريات النشر الدولي للبحوث العلمية ترحيبها بسبق النشر لاي بحث يتعلق بالكوفيد- ١٩ منوهة عن ان التعامل مع هذه الابحاث سيختلف بطبيعة اولويتها. فسوف يتم تحكيم البحث والمراجعة في فترة اقصر بكثير من الابحاث ذات الاولوية الاقل.
ما معنى هذا؟
في الظروف التقليدية وبحكم عملي كمحكم دولي للابحاث العلمية ومدرب لاستراتيجيات البحث العلمي المبني على الادلة فان البحث الواحد المقدم لاي دورية نشر ذات قيمة علمية قوية يخضع للمراجعة والتحكيم من ٣ مراجعيين دوللين على الاقل لمراجعة المحتوى والبناء التكويني وطرق البحث ونزاهة النتايج بجانب بالتأكيد اهمية البحث. اقل مدة للمراجعة ما شهر الى شهرين في افضل الظروف وقد تمتد في الدوريات الشهيرة الى ٦ شهور وبعدها قدتتم مراجعات اخرى.
اثناء الكوفيد- ١٩ كانت مراجعة البحث تستغرق ايام لضمان سرعة اطلاق النتائج كسبق وسط العاصفة.
ماذا بعد؟
تم نشر المئات من الابحاث في العديد الدوريات ان لم يكن اكثر تحتوي على عنوان تجربة سريرية للعلاج الفلاني ونتائجها في الكوفيد.
فنجد ما يؤكد نجاح هذا الدواء والاخريستبعد فاعليته، ومن يحذر من استخدام الدواء..و يرجح الدواء…. و للاسف لتفاوت النتائج وغياب الكثير من الاستفسارات الضمنية في البحث فانه من الخطأ تعميم واستخدام اي من هذه النتائج لنظرا للتفاوت الشديد وعدم ثبات الاستنتاجات فيما يخص ما نشر.
ما معنى التجارب السريرية؟
التجارب السريرية هى الطريقة البحثية الوحيدة لاثبات فاعلية وكفاءة اي دواء. فهي الاهم والاعلى مرتبة في كل انواع البحث العلمي الاكينيكي وذلك لانها تتطلب استراتيجيات فكرية وتطبيقية ذات دقة عالية لضمان نزاهة تقييم نتيجة الدواء. فلكي تصح وتعتمد هذه التجارب لابد من ارساء منهجية بحثية معينة يتم التخطيط لها مسبقا و يتم توزيع المرضى عشوائيا على ما نصفه باذرع الدراسة. فكل دراسة سريرية ذات قيمة بحثية عالية لابد وان تشتمل على الاقل على ذراع تداخلي يشمل الدواء قيد التجربة وذراع مقارن يشمل مادة غير فاعلة او دواء اخر متعارف عليه انه ذو فاعلية تؤهله ليكون معيار للمقارنة في الذراع المقارن. ويتم توزيع المرضى قيد التجربة عشوائيا على اي من الذراعيين مع توحيد ظروف البحث لتحقيق الحيادية في التقييم وللزيادة في تاكيد نزاهة التقييم يتم ذلك دون علم المريض او الطبيب المقيم بنوع الدواء الى ان تنتهي الدراسة ويتم تسجيل النتايج من جهة محايدة ليس لها علاقة بالباحث او الشركة المنتجة للدواء والتي بالفعل تمول البحث. ويتم تسجيل البحث بعد تحقيق المواصفات البحثية والاخلاقية تبعا للجان الاخلاقية ويتم ذلك شرطا قبيل البدأ في اخضاع المرضى للدراسة.
اثناء الكوفيد تقدمت الكثير من الشركات المنتجة للعلاجات قيد الاختبار في الكوفيد-١٩ بالدعم التمويلي للباحثين من كل مكان لتقييم فاعلية بعض الادوية وقامت الكثير من هذه التجارب على وجه السرعة ومنها ما قد انتهى دون تسجيله بالمدونة الدولية للتجارب السريرية. فهل من الممكن ان يتم نشر بعض الابحاث و لم تحقق مقومات التجارب السريرية التي يعتد بها كاملة نعم هذا جائزوان كانت القيمةةالعلميةتعتبر اقل بكثير ولا يعتد بها كدليل علمي قوي مثل التجارب المطابقة للمواصفات و لابد ايضا ان تكون بيانات البحث كاملة للطلب والمراجعة في اي وقت من الجهات المختصة دوليا حتى لا يحدث نوع من البلبلة البحثية التي قد تهدد من يخضع للعلاج اعتمادا على مثل هذه الدراسات.
هناك من الدوريات العلمية من يهتم كثيرا بنزاهة ما يقدمه ولديه من الشجاعة ان يقر باي مشكلة قد تخص ما نشره. وقد حدث هذا بالفعل في اكثر من دورية اهمها اعلان اللانست عن سحبها لبحث شهير عن علاج الكوفيد- ١٩ وذلك لرفض الباحثين تقديم النتائج الاحصائية الاصلية لاثبات نزاهة النتائج، فماذا اذا هل سيقدم الباحثون ما يثبت نتائج البحث ام يكتفون برد البحث. مجلة اللانست من اقوى الدوريات العلمية لذلك لم تقبل ان يربط اسمها بما قد يصير محل شك مستقبلا و لكن هل ستفعل كل الدوريات مثل اللانست وتعيد النظر فيما ما قد انهال من الابحاث وسط العاصفة.
البحث العلمي والعواصف!!!!

استاذ الروماتيزم و المناعة بكلية طب جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى