التحقيقات

الغرب وزيف الادعاءات الانسانية: من افتعل الحرب في أوكرانيا؟ \ كتبت: عبير بسّام – المصدر: موقع العهد الاخباري

يسود الترقب لما ستؤول إليه الأمور مع استمرار الحرب الأميركية ـ الروسية في أوكرانيا. وبعد أكثر من ستة أشهر على بدء العمليات الروسية في أوكرانيا يبدو أن الأمور تسير نحو المزيد من التصعيد، وخاصة بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية في صفوف قواته على إثر العمليات في شرق أوكرانيا. وبالتأكيد يعكس الميدان الرغبات السياسية، وبالتحديد الرغبات الأميركية. واستمرار تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا معناه شيء واحد فقط، وهو أن أميركا ماضية في خطتها في بناء “النظام العالمي الجديد”.

“النظام العالمي الجديد”! الهدف الأميركي الممتد منذ أيام الرئيس بوش الأب في التسعينيات إلى خطاب جو بايدن في 25 آذار/ مارس الماضي، والذي أثار حفيظة الكثيرين حتى من الأميركيين، والذي أكد فيه أنه سيولد من رحم الأزمة في أوكرانيا. نظام أجهضته قوة محور المقاومة في سوريا مدعومة بقوات روسية قاتلت الإرهاب فيها. خيبة أمل لن ينساها الأميركيون ويحاولون تعويضها في أوكرانيا. ويسعى بايدن من خلال الخطاب الذي ألقاه أمام رؤساء الشركات الأميركية الكبرى من “جنرال موتورز” و”أمازون” و”آبل” وغيرها للحصول على الدعم في حربه الجديدة. وبالتأكيد، سيخرج العالم باصطفافات ونظام عالمي جديد بعد أوكرانيا.

يتم استغلال “التداعيات الانسانية” بشكل احترافي من قبل الإعلام الغربي لجهة ما يتعلق منها بضحايا الحرب، وتدمير البيوت والمنازل. هذا الاستغلال الموجّه لا ينم عن اهتمام غربي بالجانب الانساني، فجميعنا نذكر مدرسة الأطفال في العراق والتي قصفها الأميركي ووصفتها يومها مادلين اولبريت بأنها أضرار جانبية. أما في اوكرانيا، فقد تحولت المعايير الانسانية إلى مقياس للإعلام الأميركي من أجل الدعاية السلبية والهدامة ضد الجيش الروسي والعمليات الروسية. ولكن أن يقصف الجيش الأوكراني مفاعل زاباروجيا في أوائل آب/ أغسطس الماضي الأمر، الذي كاد يتسبب بكارثة نووية في أكبر مفاعل نووي في أوروبا، فقد مرّر الخبر في الإعلام الغربي بوصفه بطولة من بطولات كتيبة آزوف.

يعمل الاعلام الغربي على التركيز على القصص الفردية والشخصانية، وهي في معظم الأوقات إن لم تكن لأوكرانيين فهي قصص لمعارضين يراد إيهام العالم بأنهم يشكلون نسبة كبيرة من الروس. والحقيقة أن المراد من وراء هذه القصص ليس ابراز الجانب الانساني السيئ للحرب، بل مسح الذاكرة، وإعادة تركيب ذاكرة جديدة حول نتائج العمليات العسكرية، وليس حول أسباب الحرب الأساسية في اوكرانيا. وهي قصص لا يزخر بها الإعلام الغربي فقط، بل تعقد لها الندوات التي تدوم لساعات في مراكز الدراسات والمنتديات.

ماذا عن المتسبب الرئيسي بهذه الحرب؟ يعلم جميعنا، أو أغلب من يحاول البحث والتدقيق والمتابعة، الإشكاليات التي دارت حول قرار الناتو نشر صواريخ كروز، والتي تستطيع حمل الرؤوس النووية في أوكرانيا. فقبل بضع سنين، انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة نشر الصواريخ النووية المتوسطة المدى في العام 2019، والتي تهدد روسيا بشكل مباشر. تزامن ذلك مع توالي دفعات متصاعدة من الدعم اللوجستي العسكري والمالي الكبيرين لبعض دول بحر البلطيق وأكرانيا، وكانت الطامة الكبرى بإعلان قبول انضمام أوكرانيا إلى الناتو. التصعيد كان تدريجيًا لكنه بالتأكيد أثار حفيظة موسكو، التي تعلم تبعاته، والتي رفضت أن يكون في محيطها دول تخدم مصلحة الناتو، بجميع أعضائها، وتهدد أمنها القومي. فكان من الطبيعي أن تدعم روسيا انفصال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك وأن تتدخل إلى جانبهما لتقويض قرار زيلنسكي، خاصة أن المقاطعتين يسكنهما الروس منذ أيام القيصرية الروسية في القرن الثامن عشر، ويتعرض سكانهما لممارسات عنصرية من بعض المتطرفين الأوكرانيين والمدعومين من حكومة رئيس البلاد فلودومير زيلنسكي.

وتأتي العمليات العسكرية كحاجة ضرورية لموسكو، والتي قال فيها السيناتور الديمقراطي “بيرني ساندرز”، وهو من أهل بيت بايدن، إن ما يوصف به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يكون صحيحاً، وهو وصف يردده الإعلام الغربي وكأنه “أسطوانة مشروخة”، لكنه أكد: “…لكن من النفاق أن تصر الولايات المتحدة على عدم قبول مبدأ تأثير المحيط”. وهذا المبدأ، هو ما يعرف بـ”عقيدة مونرو”، والتي طبقتها الولايات المتحدة لأكثر من مئتي عام”، بحسب ساندرز، والتي منعت أي تواجد لقواعد أو مؤسسات لأية دولة على خلاف أو عداء مع الولايات المتحدة. وهي العقيدة ذاتها التي قام عليها قرار موسكو بمنع انضمام أوكرانيا للناتو، وبمنع نشر صواريخ متوسطة المدى على أراضي الجارة اللدود.

وأما على المستوى الدولي والعالمي، فيشهد العالم سباقاً محموماً نحو تخزين الاحتياطات النفطية، فعلى سبيل المثال، زادت الصين من احتياط النفط لتصل إلى 3.7 مليار طن أي بنسبة ارتفاع يحددها الخبراء بـ 2.8%، وكذلك زادت من احتياطي الفحم الحجري لمدة تكفيها لـ 50 عاماً قادمين. وتحاول الولايات المتحدة زيادة مخزونها بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً لتصبح 430.8 مليون برميل في الأسبوع الماضي. وقد قامت الهند باستخدام احتياطاتها من النفط، وتقوم اليوم بتصدير النفط للولايات المتحدة بشكل متزايد.

هذا التدافع نحو تخزين النفط لا يبشر بالخير. وبات العالم اليوم لا يقرأ بوادر الأزمات فقط، بل وقع فيها فعلياً مع ارتفاع فاتورة الطاقة في أوروبا إلى 500 مليار دولار، بحسب وكالة بلومبيرغ، مع تمنّع المواطنين عن دفع الفواتير التي وصلت إلى أرقام غير مسبوقة. والجزائر تتوقع رفع صادرات الغاز بمقدار 25.2 مليار متر مكعب إلى إيطاليا لتعويض النقص بالغاز الروسي. وبريطانيا بدأت بمشروع مد أنابيب للغاز من المملكة المغربية.

هذه الأزمة العصيبة والسباق المحموم لا يمكن أن يتوقفا إلا بتوقف الحرب الأميركية في أوكرانيا، والتي يدفع ثمنها اليوم الشعب الأميركي أيضاً بسبب ازدياد معدلات التضخم. أما رفع الفائدة الذي أقره البنك الفيدرالي الأميركي، فلن يكون إلا فقاعة هواء وستنفجر قريباً، ونحن خبرنا تداعيات الفقاعات في بلادنا. لكن وقف الحرب في أوكرانيا، في المرحلة الحالية، معناه إقرار حكومة بايدن بالفشل في قيادة الأزمات الخارجية كما فشلت في قيادة الأزمات الداخلية، ولذلك فالتصعيد الأميركي وزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا في الأسابيع الأخيرة ليس سوى الورقة الأخيرة بيد بايدن المأزوم بشدة قبل الانتخابات النصفية بعد شهرين.

بايدن بحاجة لانتصار، وسعيه كمن سبقه من الرؤساء الاميركيين نحو بناء نظام عالمي جديد يغرق الولايات المتحدة في الحفر التي تحفرها لغيرها لتعود وتقع فيها. وإذا استمرت السياسات الأميركية المارقة تجاه العالم بما هي عليه، فإن أول انعكاساتها السلبية ستكون كما بانت في أوروبا المقبلة على شتاء قاس، والذي بسببه تتسابق الدول من أجل شراء الغاز للتدفئة مع بداية شهر تشرين الأول/ اكتوبر القادم.

أما الخيار الآخر، والذي يطل برأسه عبر استدعاء آلاف من جنود الاحتياط الروسي من أجل لجم “الناتو” في اوكرانيا فهو لا يبشر بالخير أبداً، ويضع بوادر الحرب النووية على المحك. ومن كان يظن بأن قصف مفاعل زاباروجيا لم يكن خطوة نحو تفجير المفاعل وإغراق أوكرانيا وغرب روسيا بآثار الدمار الذي سيتأتى منه، فليعد التفكير ثانية.

روسياالولايات المتحدة الأميركيةاوكرانيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى