المقالات

مخاض تشكيل الحكومة… إلى أين ؟-3 – كتب: عبدالله خالد

حين كلف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة بموجب المشاورات النيابية الملزمة اعتبر أن مهمة المجلس اللبناني قد انتهت وأن مهمة تشكيل الحكومة هي مسؤوليته لوحده انطلاقا من أن تشاوره مع الكتل النيابية لا يلزمه بشيء وأن دور المجلس النيابي هو منح الحكومة الثقة أو حجبها عنها فقط. وكذلك دور رئيس الجمهورية يقتصر على التوقيع على مرسوم الحكومة التي تقع مسؤولية تشكيلها عليع فقط وأن التشاور مع رئيس الجمهورية هو مجرد إجراء روتيني لا يلزمه بشيء. أما الرئيس عون فقد كان يعتبر أن تشكيل الحكومة هو مسؤولية مشتركة. والواقع أن هذا الإلتباس ما كان ليحصل لو توفرت الثقة بين الرئيسين وتقدمت مصلحة الوطن على المصالح الفردية الخاصة خصوصا وأن مرسوم تشكيل الحكومة لا يمكن أن يعلن إلا بعد توقيع رئيس الجمهورية كما أن الحكومة لا تمارس صلاحياتها إلا بعد نيل ثقة المجلس النيابي. وهذا يفرض نوعا من التوافق على قواسم مشتركة لابد من توفرها لتسهيل العمل الحكومي خصوصا وأن الأغلبية النيابية التي أفرزتها انتخابات 2018 لن تمنح الحكومة الثقة إذا لم تضمن تمثيلها الذي لم يعيره الرئيس الحريري أي اهتمام.
لقد اعتبر الرئيس المكلف أن استناده إلى المبادرة الفرنسية المدعومة بموافقة أمريكية مصحوبة برقابة مشددة لخطوات ماكرون كان لنجاحه في مهمته. وهكذا تجاهل العقبات الداخلية بعد أن تفاهم مع حلفائه في الداخل واهمل الاخرين وانطلق في جولات خارجية املا أن توفر له غطاء لتجاوز اعتراضات الخارج وتقليص مطالب الداخل وهكذا أصبح هاجسه المركزي عبر جولاته المكوكية تكريس نوع من الإجماع الخارجي على اعتباره المؤهل لقيادة مسيرة الإصلاح والإنقاذ وبدء وصول المساعدات الدولية التي توقف الإنهيار الإقتصادي أو على الأقل توقف مسيرة الزيد من الإنهيار بعد تراكم الأزمات الداخلية التي يؤججها إصرار قوى الشبكة الحاكمة على عدم تقليص امتيازاتها ومكاسبها التي كرسها الإقتصاد الريعي على امتداد مئة عام خصوصا وأن هاجس الرئيس المكلف الأساسي كان وسيبقى السعي لعدم فرض عقوبات اقتصادية إذا لم يرضخ بالكامل للشروط الأمريكية. وإذا كان تغيير الإدارة بعد الإنتخابات الأمريكية قد أعطى فسحة من الوقت لبلورة نهج الإدارة الجديدة التي لم يتبلور منها إلا الإنتقال من استخدام القوة الخشنة إلى قوة ناعمة قد تكون أكثر قسوة بدليل ما شهدته فترة الرئيس أوباما التي كان بايدن أساسيا فيها. ولكن الرئيس المكلف بقي معتمدا على دور الرئيس ماكرون الذي يبدو أنه توافق مع الرئيس بايدن على الخطوط العريضة للتحرك الدولي المقبل.
كما أن الهاجس الآخر للرئيس المكلف هو الإصرار السعودي على عدم إعطاء الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة إذا لم يلتزم بالرضوخ للمطالب السعودية وقي مقدمتها عدم إشراك حزب الله مباشرة أو مداورة بالحكومة الجديدة على الرغم من أنها كتلة وازنة في المجلس النيابي بالإضافة إلى دورها المركزي داخل الأغلبية النيابية الحالية ولم تنجح كل الجولات المكوكية الخارجية في حلحلة العقد التي تعيق عملية تشكيل الحكومة والسعي للحديث عن عقد أخرى تعيقها. وهكذا يبقى التوافق بين الرئيسين عون والحريري هو المدخل للحل المطلوب في إشارة إلى أهمية وضرورة إيلاء العقبات الداخلية ما تستحقه من اهتمام وتحديدا ما برز على الساحة وفرض نفسه مؤخرا على الجميع… وهذا يحتاج لحديث آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى