ثقافة

الثقافة النخبوية ليست ثقافة كم بل ثقافة نوع وكيف

من أسباب الأزمة غياب النخبة المثقفة عن إدارة الدولة
الثقافة النخبوية لاتعني ارتداء بزة رسمية مع ربطة عنق ونظارتين على العينين ولا تعني الوجاهات والصالونات والمبالغ النقدية الكبيرة والسيارة الفارهة، ولكن السياسة الآنية والطائفية والحزبية والشعبوية والقيم المادية شوهت مفهوم الثقافة النخبوية واثرت سلبا”فيها. فلا يشترط في المثقف النخبوي أن يكون غنيا”وثريا”ولا أن يحب الوجاهات والصالونات والظهور أمام الكاميرات والاضواء بل تعني أن يكون حرا”ومستقلا”وعقلانيا”وضد التقليد وحالة القطيع والشعبوية والفوضى وضد التسلط و التعصب الديني والطائفي والتمييز على أساس القيم والمظاهر المادية والطائفية والسطحية .ولكن السياسة الآنية والقيم المادية ضربت هذا المفهوم حتى أن شراء كتاب جديد غالي الثمن أصبح متعذرا”الا على الأغنياء والاثرياء،فكيف الحال بطباعة كتاب ونشره في هذه الأيام؟
لا قيمة للثقافة النخبوية في هذا المجتمع والبلد بل القيمة الأولى هي للمال والغريزة والسياسة الآنية والطائفية والمذهبية والحزبية. فالقيم المادية والسياسة الآنية والطائفية والايديولوجيا شوهت مفهوم الثقافة والمثقف النخبوي الحقيقي واثرت فيه سلبا”.واكثرية الناس في هذا المجتمع والبلد لا تقيم وزنا”للمثقف النخبوي الحقيقي بل القيمة هي لمن يدعي العلم والثقافة والتدين ومعرفة السياسة والمجتمع والمتحزب ومن يملك المال الكثير بالوسائل المشروعة وغير المشروعة وأصحاب المظاهر المادية والسطحية والمزيفة.
أحد أسباب ما يحدث في لبنان من أزمات سياسية واقتصادية ونقدية واجتماعية غياب النخبة المثقفة المستقلة عن إدارة الدولة والشأن العام والاقتصاد والتنمية وسيطرة المتزعمين والأحزاب ذات الطابع الطائفي والايديولوجي الشعبي .فإذا عرف أن هؤلاء المتزعمين والأحزاب يجعلون الشخص الذي لا يملك جدارة علمية وثقافية وصفات جيدة مسؤولا”وقياديا”على منطقة أو شارع،أو مديرا”او موظفا”عرف أحد أسباب هذه الأزمات وهذا الواقع الرديء على الصعد السياسية والمعنوية والنفسية والاقتصادية والمعيشية والإنماءية والاجتماعية. أما المظاهرات الأخيرة أو ما سمي انتفاضة فقد خدمت هذا الواقع وهؤلاء المتزعمين والأحزاب. فتغيير هذاالواقع وهؤلاء المتزعمين والأحزاب النافذين لا يكون عبر المظاهرات والانتخابات الشعبية بل عبر تغيير بعض المفاهيم ومناهج التربية والتعليم وبعض الأنظمة والقوانين المتعلقة بطريقة وصول الذين يديرون شؤون الدولة والمجتمع والتمييز بين ما هو خاص وشخصي وما هو عام. فالعاطفة والغريزة والحاجات الجسدية والمادية هي شأن خاص وشخصي اما إدارة الدولة والاقتصاد والتنمية فهي شأن عام. فمناصب الأشخاص في الدولة والإدارة العامة هي وظائف وليست زعامة ووجاهة ومحاصصة طائفية وحزبية وعشائرية فيعين ويوظف وينتخب أشخاص على هذا الأساس. وهذا أهم سبب للاهمال والتسيب والفوضى والمشكلات التي تحيط الإدارة والمرافق العامة والقطاعات المختلفة والتنمية.
الثقافة النخبوية الحقيقية هي ثقافة النوعية والكيف لا ثقافة الكم. فلا تقاس الثقافة بكمية الكتب التي يقرؤها المثقف أو يشتريها أو التي يؤلفها وينشرها بل بنوعيتها والفائدة منها،ولا يقاس مستوى المثقف وقيمته بكمية أصدقائه والذين يتوافقون معه بالفكر والرأي والسلوك بل بنوعيتهم وان كان عددهم ضئيلا”.ولا تستمد قيمة المثقف من كمية المال الذي يملكه، فقد تكون كميتها ضئيلة بالنسبة إلى كمية المال الذي يملكه غير المثقف النخبوي.
عندما يعارض وينتقد النخبوي المستقل المتزعمين والأحزاب الحاكمين منهم والمعارضين والمجتمع والعادات والتقاليد مع التمييز بين السيءوالاسوا ، إنما يفعل ذلك لأجل تغيير الواقع للأفضل وتحسين الأوضاع وليس لأجل المناصب والزعامة والوجاهة والحصص التي يفتعل السياسيون والأحزاب والمجموعات لأجلها الأزمات كالازمة الحالية التي حركت المظاهرات في 17تشرين الأول 2019وادت إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية والإنماءية وتزايد الضغوط النفسية والمعنوية على الفرد وخاصة النخبوي المستقل. أما الحلول المطروحة من قبل المسؤولين لهذه المشكلات فهي جزئية وترقيعية ومؤقتة ولا تضع حدا”نهاءيا”لتفاقمها بل إنها قد تحل جزءا”من المشكلة وفي المقابل تزيد تفاقم الجزء الآخر من المشكلة.
لو كانت إدارة الدولة والشأن العام والسياسة بيد النخبة المستقلة ولأجل الفائدة العامة وتحسين الأوضاع لكان يمكن تفادي هذه الأزمة ومثيلاتها والحلول الجزئية والترقيعية المطروحة لها ،التي قد تعالج جزءا”من المشكلة ولكنها تؤلم من جهة أخرى كالابرة المسكنة أو المخدرة ولاتعالج كل المشكلة. فادارة الدولة والسياسة في هذا البلد هي لأجل الزعامة والوجاهة والحصص والانتخابات ولعبة الدول. وتغيير هذا الواقع السيء والسياسيين والأحزاب لايكون عبر المظاهرات والانتخابات الشعبية والإضرابات.
أسامة إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى