المقالات

بيروت كابول \ بقلم : مازن عبّود

“ما كان الوقت يمر … بل كان في دائرة”
غابرييل غارسيا ماركيز – مائة عام من العزلة

ثمة احداث عالمية تتسارع. اميركا امست خارج افغانستان. ففي افغانستان كما في لبنان بؤس ولاجئون، وجوع وعقوبات. فشل الناتو سلم طالبان الحكم. وفشل السياسة الغربية عندنا واستثمارها في فساد الحفنة ادى الى الانهيار وتفريغ البلد من نخبه وادخاله في عوالم طالبان. في اميركا مطالبات بمعاقبة طالبان وحزب الله. لكن طالبان تتمدد، والحزب يعزز نفوذه في لبنان. الصقور الذين دعموا المجاهدين لمواجهة الشيوعية، هم انفسهم من ينادون بعزلهم. فالموضوع غزو البلدان وليس مساعدتها على التطور، وفق جيفري ساكس الذي اعتبر بأنّ الإنفاق غير المتوازن على الأمن بدلا من التنمية ادى الى غلبة طالبان. تماما كما أدى السكوت عن سوء ادارة القروض وعدم انفاذ الإصلاحات الى ما نشهده. ساكس دعا مجلس الامن الى دمج الفِـكر الاقتصادي بالتنمية المستدامة. انتقد تخصيص مبالغ هزيلة للتعليم (20 دولارا لكل طفل افغاني) بينما أنفقت بلاده زهاء المليون دولار سنويا على كل جندي جنودها في أفغانستان في العام 2019.

ما يجري باختصار هو انعكاس لازمة انعدام الثقة ما بين الغرب والعالم الاسلامي التي تعود بداياتها الى حملة نابوليون على مصر، وفق ما افاد استاذ التاريخ في جامعة لويزيانا ALEXANDER MIKABERIDZE في كتابه “حروب نابوليون، التاريخ الكوني”. فغزو نابليون بونابرت لمصر عام 1798 شكل أول محاولة حديثة لدمج مجتمع إسلامي في الحظيرة الأوروبية، فتركت إرثًا. واطلقت خطاب الاستشراق بجميع مكوناته الأيديولوجية الذي شكّل أداة هيمنة غربية. لم تنجح فرنسا في فرض مبادئ الثورية الفرنسية في مصر، كما انّ الديمقراطية والليبرالية الغربية لم تنجحا في أفغانستان على عكس لبنان بسبب تلاوينه. ففي لا وعي العوام انّ الوجه الاخر للاستشراق هو الاستعمار. ألقت الحروب النابليونية بظلالها على العالم الاسلامي. وتظهرت “المسألة الشرقية” في زمن السلطة. الخطاب الغربي اليوم لا يختلف كثيرا عن خطاب نابليون.
حاول عدد من القادة الاسلاميين الى تنظيم دولهم وفق معايير الحضارة الغربية لكنهم فشلوا. لم يشكك السلطان العثماني محمود الثاني ولا محمد علي ولا حتى شاه إيران في الهياكل الاجتماعية لمجتمعاتهم، بل اعتقدوا بأنّ الإصلاحات تعزز سلطتهم وتحمي دولهم. اصلاحات اعتقد العوام بانها تشكل تحديا لطرق العيش الإسلامية، فسقطت وسقطوا ولو بعد حين.
النظرة الغربية الى الشرق استعمارية هدفها التحكم بالموارد لتأمين استمرار النمو. والنظرة الشرقية الى الغرب هي نظرة المدمن على التكنولوجيا والخائف من هيمنة جديدة.
حتى علم الاقتصاد الغربي الطابع بحسب روبرت سكيدلسكي يفتقر إلى الواقعية، بسبب اخفاقه في فهم السلوك البشري وتجاهله لخصوصيات التاريخ والثقافة. فالاقتصاد ليس “فيزياء” ولا يجب اخضاع الهياكل الاجتماعية لقوانين ثابتة. فقانون الجاذبية الذي يشرح دوران الكواكب حول الشمس صحيح، وذلك بعكس قانون المصلحة الذاتية الذي يوازيه في الاقتصاد لضمان توازن الأسواق. سلطة الاقتصاد مبنية على القياس. ما يمكن إحصاؤه يُـحصى وغير ذلك يعتبر رأيا، وليس معرفة، وهنا الخلل.
انفصال الاقتصاد كما انفصال السياسة عن الثقافة قصور. فالفرد ليس مستهلكا. لهذه الاسباب فشل الغرب في فهم افغانستان ولبنان ويخسر معاركه اليوم. ما زال الوقت في دائرة لا يمر. النظرة الغربية الى العالم الاسلامي لم تتطوّر، ولا نظرة العالم الاسلامي الى الغرب تغيّرت كثيرا ايضا.

المصدر: النهار لهذا الثلاثاء في 31 اب 2021

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى