المقالات

حقن الدماء كتب: د. قصي الحسين

من دوار الطيونة، حتى دوار العدلية، وصولا إلى دوار الإنتخابات، سيسيل دم كثير. ولكنه حتما لا يصل إلى الحرب الأهلية، ولا إلى التقسيم، ولا إلى الفيدارلية، ولا إلى شيطنة لبنان.

وجود التفجيريين كثر. بل أكثر مما تتصورون. يشكلون قوائم يشكلون أجهزة، يشكلون خلايا نائمة، ليست قليلة، في جميع المناطق والبلدات والمدن والأحياء. ينتظرون الإشارة، حتى يذهبوا إلى عملهم، لتفجير هذا المكان أو ذاك. لا لشيء، إلا لإرهاب من يريدون إرهابه، وتطويع إرادته، وتمزيق جماعاته، وصرف النتائج في الإنتخابات.

سيكون على اللبنانيين إذا، منذ “إفتتاح الردة” في الطيونة، في الرابع عشر من تشرين الأول، هذا العام، وحتى موعد الإنتخابات، أن يستعدوا لشتاء طويل. فيه مطر كثير. مطر من الدماء، حتى لو جف المطر في السماء.

المجرمون جاهزون لإحراق البيادر، قبل موعد الإنتخابات، كما كانوا يفعلون منذ مئة عام. المجرمون جاهزون، لإحراق البساتين والكروم. المجرمون جاهزون لتسميم المياه، وتسميم المواشي، ووضع السم في برك المياه وفي الحارات، لأجل عيون الإنتخابات.

الإنتخابات في لبنان، أم المعارك، هذا العام. كل شيء مباح في ساحاتها. كل شيء مباح في صناديقها. كل الكرامات تستباح، على يد صناع الجريمة. على يد أصحاب السوابق، الذين يروعون الناس، على أيدي القتلة، لأجل الفوز في الإنتخابات.

لا شيء ممنوع في الإستعداد للإنتخابات. لا شيء محظور، لا شيء يحول. ولا حول يطول. ولا حقوق للأحياء وللأموات، إلا في صناديق الإنتخابات.

تفجير القرى. ترهيب سكانها، من عدة الإنتخابات. وكذا تفجير الحارات وضرب المحلات. والإعتداء على السيارات. كل ذلك “شغل إنتخابات”.

الإغتيلات الإستباقية واردة قبل الإنتخابات. تحصن النتائج. تحسنها. تحسمها بفارق صوت.

إستعدوا إذا، إلى موجة قادمة من الإنتخابات. إستعدوا لقطع الرؤوس، وخطف الأبناء وسوق الطروش، فهذا كله “عمل إنتخابات.”

التفجيريون جاهزون، في جميع الأجهزة. يكونون منذ الآن الملفات. يضعون خارطة الطريق لعملهم، بلا شأفة ولا رحمة. لا هم عندهم، لا الأطفال ولا الشيوخ ولا النساء. لا هم عندهم من نوع العام الدراسي، ولا من نوع العام الجامعي. لا هم عندهم، من نوع الحفاظ على القداسات، ولا الحفاظ على المقدسات. لا هم عندهم، من نوع الحفاظ على الكرامات. كل همهم منصرف في إتجاه واحد، الإبادة أو الفوز، القبر أو النصر.

عقيدة مشربة بالدم حقا، عقيدة الإنتخابات.

دوار الطيونة، يمتحن الناس قبل قصر العدل، يمتحن طوائفهم، يمتحن عصبيتهم. يمتحن هويتهم. يمتحن إرادتهم. يمتحن نواياهم، قبل الإنتخابات.

عدالة الإنتخابات أولا، لا عدالة المرفأ. أو لا عدالة في لبنان. فلا شعب ولا وطن ولا مؤسسات، إذا ما خسرت الإنتخابات.

كل شيء رهين الإنتخابات القادمة. مهد لها على دوار الطيونة، منذ إنطلاق الرصاصة الأولى من مسدس الحكم في الإنتخابات.

طار دوار العدلية، وحطت الإنتخابات.

اللبنانيون اليوم لا يطلبون إلا أمرا وحدا. لا يريدون رد القضاء، وإنما حقن الدماء.

د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى