الأخبار اللبنانية

استغلال الدين والسياسة والاقتصاد والمجتمع 1 \ أسامة اسماعيل

أزمات مفتعلة وشعبوية وطائفية وتحزب وظلم
واقع الاستبداد والتسلط والفوضى والجهل والسطحية والجمود يستمر ويقوى بسبب الشوائب والاختلالات في الوسائل التي يفترض أن تكون مانعة لهذا الواقع وضده.ومن هذه الوسائل:الدين والسياسة والمجتمع والاقتصاد والاعلام والتكنولوجيا.فهذه الوسائل أصبحت منذ زمن بعيد مشجعة لهذا الواقع السيء وغطاء له بسبب استغلال المشرفين على هذه الوسائل والممسكين بها وسوء ادارتها وتوجيهها من قبلهم،ويسخر الفرد لخدمة هذه الوسائل ومستغليها بدل العكس،فتصبح الحياة بذلك سجنا”كبيرا”وجحيما”لايطاق.
يقول أحد الفلاسفة الأوروبيين:”الاختيار لايقع على الغاية بل على الوسيلة المؤدية الى الغاية”.فالهدف،اذا كان جيدا” فيجب أن تكون الوسيلة متناسبة مع هذا الهدف.ومن الأهداف الجيدة: الحرية والاستقلال والمعرفة والعدالة والراحة والاحترام والمكانة والاكتفاء الذاتي والتنمية.فاذا كانت الوسائل سيئة أومليئة بالشوائب والعيوب والاختلالات تخلفت عن الوصول الى هذه الأهداف بل انحرفت عنها كليا”الى أهداف أخرى سيئة أو عكسية مثل الأسر والتبعية والولاء والخضوع والفوضى والظلم والتعب والشقاء والاهانة والذل والتهميش والحاجة والعوز والحرمان والتخلف وانخفاض النمو،وان كانت الأقوال والشعارات المعلنة من قبل مستغلي الوسائل ومستعمليها ان أهدافهم جيدة وسليمة،بل ان هؤلاء يكيفون الأهداف مع مصالحهم وأهوائهم وغاياتهم،فيصبح الاستبداد والتعصب والفوضى حرية،والتبعية والتحيز والاصطفاف استقلالا”،والظلم والحرمان والتهميش عدالة ومكانة واحتراما”،والازعاج والضغط والتهديد راحة وأمانا”،والترقيع والانفاق غير المجدي والهدر وعدم التوازن تنمية وحلولا”،والسطحية والجهل والقشور والشعبوية معرفة وحكمة!!!
الدين هو أحد الوسائل التاريخية التي نشأت لمواجهة الظواهر الطبيعية غير المفسرة والخشية من المجهول.ومحوره الايمان بالخالق وعبادته وحده وتحسين الأخلاق والمساعدة على تحقيق العدالة والراحة والوعد بالجنة.يستغل لأجل السلطة والسيطرة والنفوذ والزعامة والثروة بالاعتماد على الشوائب والعيوب والاختلالات التي أضيفت اليه وأهمها الولاء لأشخاص وتقديسهم وتعظيمهم وتفضيل الجماعة على الفرد وغلبة المعتقدات والعواطف الجماعية على الدين والمذهب بدلا”من العقل والارادة الفرديين،والطقوس والمناسبات والعادات التي تدور حول هذه المعتقدات والمفاهيم والعواطف وهي شوائب واختلالات دخلت الى الدين وحرفته عن الأهداف الجيدة والحقيقية وجعلته مذاهب وفرقا” بسبب السلطات الحاكمة و”رجال الدين”والأحزاب ولعبة الأمم.يقول شلاير مخر:”الدين بعيد عم تجترحه الطوائف وعم تستحوذ عليه من فكرة تصور الدين وتصوغه كما يحلو لها.وكل ما في الطائفية مشيد على مبدأ جماعي غير منضبط وعلى مضامين عقائدية تكتسي أردية لمدونات تاريخية اشكالية،لاتقوى على حجب ما يعتري الفكر الطائفي من ضعف ووهن”.
السياسة هي الأخرى وسيلة تعرضت لشوائب واختلالات كثيرة على صعد النظريات والأنظمة والتجارب والممارسات فقصرت عن أن تكون خادمة للحرية وقيمة الفرد وكرامته والاستقلال والعدالة والراحة والتنمية،بل أصبحت خادمة لما هو ضد هذه الأهداف على أرض الواقع وبخاصة في الدول المتأثرة بسياسات الدول الكبرى الغنية ذات التاريخ الاستعماري في الشرق،ومنها لبنان الذي يأخذ بالنظام الديموقراطي الانتخابي ذات الطابع الطائفي الحزبي ووسيلته الانتخابات العددية الشعبية الطائفية الحزبية والتظاهرات الشعبية.وهذا النظام يجعل السياسة في خدمة من يسمون”زعماء”والأحزاب الطائفية والايديولوجية الشعبوية والدول الخارجية التي تدعمهم ومصالحهم وغاياتهم ونفوذهم ويشجع الاستبداد والتعصب والفوضى والفساد المالي والاداري والهدر والظلم وتهميش الفرد النخبوي المستقل ولايساعد على تحقيق التنمية الشاملة والعادلة.ومايحدث في هذا البلد دليل على ماتقدم،حيث يرهن الاقتصاد والمعيشة والتنمية وحرية الفرد وكرامته وراحته وحقوقه وشعوره بالأمان لسياسة انية مشوهة ومزيفة ولعبة الدول الكبرى المذكورة انفا”وبعض الدول الاقليمية ولأزمة مفتعلة وانتخابات شعبية عددية طائفية حزبية تعيد انتاج الواقع السيء ولمسرحية صراع بين ما يسمى”محور المقاومة والممانعة”و”محور الاعتدال والانفتاح”.وتستعمل شعارات وعناوين وقضايا،لا علاقة لها بالأهداف الجيدة والحقيقية للسياسة بل تحول الوسائل مع شوائبها وأخطائها الى أهداف ومعايير خارجية على طريقة السفسطائيين كما قال سقراط.فيصبح “سلاح المقاومة”هدفا”ومشروعا”
بدل أن يكون وسيلة محددة الظروف والشروط والأمكنة وهي الحدود غالبا”،فلا تستعمل وتستغل لغايات سيئة مثل السلطة والسيطرة والنفوذ والثروة،ويصبح “تحرير الأرض”هو الهدف الوحيد فيما يهمل هدف تحرير العقل والارادة والنفس والفرد وتحرير الاقتصاد والمعيشة والتنمية من التبعية للخارج والخضوع للسياسة الانية ومسرحيات الصراع والطائفية والمحاصصة.وأصبح شعار”رفض هيمنة السلاح”هدفا”لاستجلاب الضغوط الاقتصادية والمالية الدولية والاقليمية وافتعال أزمات للفوز بالسلطة والانتخابات والنفوذ،وفي الحالتين النتائج سيئة على الاقتصاد والمعيشة والمرافق العامة والأمن وحرية الفرد واستقلاله وحقوقه وكرامته وراحته.
( للمقال تتمة)
أسامة اسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى