التحقيقات

المناسبات بين التوافق مع العقل والايمان الحقيقي والتعارض معهما

هنالك فرق بين الدين والمذهب والطائفة.الدين يتعلق بالايمان وعبادة الله والولاء له وحده،أما المذهب فهو متعلق بتقديس أشخاص بشريين والولاء لهم الى جانب عبادة الله وتقديسه.لذلك،الدين أقرب الى العقل والارادة الفرديين والحرية والراحة النفسية من المذهب والطائفة.فالمذهب والطائفة يقومان على معتقدات جامدة وجاهزة وروايات موضوعة وعلى العواطف الجماعية والمصالح المادية أكثر مما يقومان على العقل والارادة والايمان الحقيقي.فالعاطفة والغريزة والحاجات المادية هي أمور فردية وشخصية ويجب أن تبقى كذلك تحت اشراف العقل والارادة اللذين يسلكان طريقهما عبر قشرة المخ أمام الجبهية الوسطىmedial prefrontal cortex حيث يحدث التحكم بأجزاء الدماغ الأخرى المتعلقة بالعواطف والغرائز والتخيلات والذاكرة الخاصة بالذات الفردية.ولكن العقل لايعمل وحده بدون ارادة من الفرد.فالفرد هو الذي يريد أن يتحكم العقل بالعاطفة والغريزة والتخيلات والذاكرة والحاجات المادية،فيضع هذه الأمور في السياق الفردي والشخصي بدلا”من السياق الطائفي والعشائري والحزبي والشعبي ويرفض المعتقدات الجامدة والجاهزة والمناسبات والطقوس والعادات والسلوك الذي يتعارض مع العقل والايمان الحقيقي والحرية والكرامة والعدالة والراحة النفسية.
المناسبة المذهبية الطائفية تختلف عن المناسبة الدينية أو العبادة.فالمناسبة الأولى هي من وضع بشر،وتحديدا”ملوك وسلاطين و”رجال دين”وأحزاب عبر التاريخ حتى اليوم،فيما العبادة والدين،يفترض أن يكونا موحى بهما من الله ولايتعارضان مع العقل والارادة والعلم.فالمناسبة التي تعظم أشخاصا”وتبالغ في الاهتمام بهم حزنا”أو فرحا”الى حد العبادة أو التقديس والولاء لهم تتعارض مع مفهوم الدين والايمان الحقيقي والعقل والارادة الفرديين والعلم.وهذه المناسبة أو الشعائر مذهبية طائفية وليست دينية.ولم يميز الدستور اللبناني في المادة التاسعة المتعلقة بحرية الاعتقاد بين الشعائر الدينية والشعائر المذهبية الطائفية ولم يفصل بين فروض الاجلال لله والعبادة وبين الشعائر والطقوس التي قد تكون مخصصة للولاء والتقديس لأشخاص وفق المذهب الذي تتعلق به المناسبة والشعائر والطقوس ،ولم يتطرق الى حرية تعبير الفرد المواطن وسلوكه تجاه المعتقدات والمناسبات والطقوس المذهبية الطائفية ووجوب حماية هذه الحرية من قبل الدولة.فالمناسبة والشعائر المذهبية الطائفية قد لاتتوافق مع تفكير جميع الأفراد وارائهم واراداتهم.ولو كان الدافع هو الايمان الحقيقي والعقل والمنطق والحرية والعدالة لما كانت هذه المناسبات والطقوس،ولكن الدافع هو السلطة والسيطرة والمال والعواطف الجماعية التي تنشئ القطيع الذي يبحث دائما”عن “زعيم” أو رأس لأن القطيع،لا يسيره العقل والارادة ذات الطبيعة الفردية!!!
ان العزاء الموافق للايمان الحقيقي والعقل والمنطق،يجب أن لايتجاوز الثلاثة أيام دون نياحة ولطم وهتافات وذكر أشخاص أكثر من ذكر الله،وأن لايتكرر العزاء للشخص أو الأشخاص أنفسهم كل سنة ثلاثة أيام أو أكثر بل يذكر عبر ذكر الله وبعض الأمور الجيدة والمفيدة.
ألايوجد في التاريخ الاسلامي الا هذه الحوادث التي استغلت فيما بعد لتأسيس حالات مذهبية خلافية في الدين الاسلامي على أيدي سلاطين وحكام ومشايخ وأحزاب وليقوموا باحيائها كل سنة؟! هل قوة المذهب تقوم على حادثة تاريخية عرضية ليست من أساس الدين والايمان وجوهرهما،وعلى العواطف والغرائز الجماعية والغلو في الاهتمام بأشخاص وفي ذكرهم وصفاتهم؟أليس هذا الأمر تخلفا” وعودة الى الجاهلية والصنمية؟!هل بهذه المعتقدات والمناسبات والطقوس والضغط والقمع والتسلط والازعاج والاهانة وقطع الأرزاق يكون مذهب العقل والاجتهاد والحرية والعدالة أم العكس؟وهل بها يتحقق جوهر الايمان والدين والهدف منهما؟!!
اذا كان المثقف النخبوي المستقل غير قادر على تغيير الواقع السيء المحيط به والمعتقدات والمناسبات والطقوس والعادات والمظاهر بعد التأكد من أن “رجال الدين”والسلطات والأحزاب لن يغيروها ويصلحوها،فالأفضل تجنبها والابتعاد عنها وعن القائمين بها جسديا”ومكانيا”بالاضافة الى الابتعاد الفكري والنفسي عنهم لتخفيف الضغوط والانزعاج والضرر والمشكلات والشعور بالاهانة الناتجة منها قدر الامكان.
أسامة اسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى