المقالات

مقارنة نصر الله تمويل “اليونسكو” بتمويل المحكمة الدولية: – بقلم: فادي شامية

خداع… وجهل بالقانون والعلاقات الدولية!

في 31/10/2011 استمع السيد حسن نصر الله باهتمام –كما العالم- إلى إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وقف مساهمتها في تمويل “منظمة التربية والعلوم والثقافة” (اليونسكو)، رداً منها على منح اليونسكو العضوية الكاملة لدولة فلسطين. (استندت الولايات المتحدة في قرارها إلى وجود حظر دستوري في تمويل أي منظمة أممية تمنح عضويتها لأي جماعة غير معترف بها بوصفها دولة).   

فوراً تذكّر السيد نصر الله الموضوع الذي يشغل باله؛ المحكمة الدولية، حيث رأى في وقف تمويل الولايات المتحدة لليونسكو حجةً له من أجل رفض لبنان تمويل المحكمة الدولية. بيّت نصر الله النية للإعلان عن هذا الموقف في إطلالته الإعلامية في يوم شهيد “حزب الله”، حيث قال في 11/11/2011 ما نصه: “هناك مستجد؛ هو ما حصل في اليونسكو، ومفيد أن ينتبه اللبنانيون والرأي العام العربي والعالمي إلى هذه النقطة جيداً… لقد غضبت أميركا وأوقفت التمويل عن اليونسكو… ألم يكن تمويل اليونسكو التزاماً من التزامات الإدارة الأميركية؟ لما يحل للإدارة الأميركية ويجوز لها أن تتخلى وتتحّل من التزاماتها الدولية ولا يجوز للبنان؟!”. (تسهم الولايات المتحدة بـ  22% من موازنة اليونسكو).  

قياس مع الفارق
في حقيقة الأمر؛ فإن قياس نصر الله تمويل اليونسكو بتمويل المحكمة الدولية، هو “قياس مع الفارق”، نظراً إلى اختلاف طبيعة كل من المؤسستين من جهة، واختلاف طبيعة الالتزام تجاههما من جهة أخرى.  

أولاً: لجهة طبيعة كل من المؤسستين
هناك فوارق جوهرية في طبيعة كل من اليونسكو والمحكمة الدولية؛ فاليونسكو هي وكالة متخصصة أنشأتها الأمم المتحدة عام 1946، طابعها ثقافي، تُعنى بـ “إحلال السلام والأمن عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم، في مجالات التربية والتعليم والثقافة”. أما المحكمة الدولية الخاصة بلبنان فهي محكمة جنائية، ذات طابع دولي، أنشئت بناءً على طلب لبنان، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1757، وبدأت عملها عام 2009.  

وتالياً؛ فإن الهدف من إنشاء كلا الجهتين مختلف، كما أن الجهة التي طلبت إنشاءهما مختلفة كذلك، حيث أن الانضمام إلى اليونسكو أمر خياري، حتى بالنسبة للدول التي دعمت إنشاءها، الأمر الذي يختلف عن المحكمة الدولية، التي قامت لصالح لبنان بعد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، و”أُنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة”، (وفق نص المادة 14 من بيان حكومة الرئيس ميقاتي نفسها)، وهي هيئة قضائية مستقلة تضم قضاة لبنانيين ودوليين، وهي ليست محكمة تابعة للأمم المتحدة مباشرة، ولا هي جزءاً من النظام القضائي اللبناني، ولو أنها تعتمد قانون العقوبات اللبناني، وهي جهة لا تتمثل فيها الدول بمندوبين – كما اليونسكو-، وإنما يمثِل القضاة والموظفون فيها العدالة لا دولهم.

ومن المفيد هنا التنويه؛ إلى أن انضمام دولة ما إلى اليونسكو أو الانسحاب منها (تتمثل فيها اليوم 191 دولة) لا يشكل – من الناحية القانونية- إخلالاً بالالتزامات الدولية، وقد سبق بالفعل أن انسحبت الولايات المتحدة عام 1984، وبريطانيا عام 1985، بسبب ما اعتبراه آنذاك سيطرة الشيوعيين على قراراتها، وقد استمر الوضع كذلك حتى العام 1997 حيث عادت بريطانيا، ثم عادت أميركا نفسها عام 2003.

ثانياً: لجهة اختلاف طبيعة الالتزام
لا يقتصر الأمر على اختلاف كلا المؤسستين، كما أوضحنا، وإنما الأهم أن طبيعة الالتزام تجاه المؤسستين مختلف، ذلك أن المحكمة الدولية أنشئت بموجب قرار دولي، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتالياً فإن لقراراتها قوة تنفيذية إجبارية، على جميع دول العالم -وليس على لبنان فقط-، ومساهمة لبنان في تمويلها التزام إجباري قدره 49%، لا يسقط بعدم السداد، وإنما يبقى ديناً على لبنان عند تأخر دفعه، في حين أن التزام أي دولة بمساهمتها في تمويل اليونسكو هو التزام طوعي أدبي، وحق سيادي لكل دولة، يمكن أن تزيد نسبته أو تُنقصها أو تلغيها، وفي كل الأحوال فإن التمويل يرتبط بانضمام هذه الدولة إلى اليونسكو أو انسحابها منها، وتالياً فإن التراجع عن التزام التمويل يمكن اعتباره قراراً غير أخلاقي، لكن لا يمكن البناء على هذا القرار لاتخاذ عقوبات دولية، بموجب الفصل السابع، على الدول الناكلة بالتزاماتها، خلافاً لما هي الحال بالنسبة إلى المحكمة الدولية. (مع العلم أن تراجع دولة عن التزام دولي لا يبرر لدولة أخرى التراجع عن التزام دولي آخر، حتى لو كان الالتزامان متماثلين).   

وعليه؛ فإن الاعتماد على قرار جائر، وغير أخلاقي، اتخذته الولايات المتحدة، لأسباب ذات صلة بانحيازها المطلق لـ “إسرائيل”، والبناء على هذا القرار لتبرير تخلف لبنان عن تنفيذ موجب التزم به، أمر لا يمكن أن يخرج عن أحد حدين؛ خداع للبنانيين أو الجهل الفاضح بالقانون الدولي!.

المسألة أبعد من التمويل
مع ذلك؛ فإن جوهر الأمر ليس تمويل المحكمة من عدمه، فخلال إطلالته الإعلامية إياها؛ اعتمد السيد نصر الله على دعوة الرئيس فؤاد السنيورة الدول الأوروبية والعربية لحلولها محل أميركا في تمويل اليونسكو، ليخاطب نصر الله مؤيدي المحكمة بالقول: “ناشدوا جامعة الدول العربية، والملوك، والرؤساء العرب، والدول الإسلامية والعربية بتأمين 50 أو 60 مليون دولار ليدفعوهم إلى المحكمة… اعتمدوا ما ترضونه لليونسكو مع المحكمة الدولية”.  

والواقع أن دعوة نصر الله هذه لا تنطلق من عسرة تأمين الـ 50 أو 60 مليون دولار لبنانياً، وإنما من حرصه على أن لا يُسجَل على الحكومة التي يقودها “حزب الله” أنها موّلت المحكمة، وتالياً فالأمر سيان في تمويل المحكمة بدولار أو 50 مليون دولار، لأن المهم بالنسبة للحزب هو عدم الاعتراف بشرعية المحكمة (علماً أن الحكومات التي سبق أن شارك فيها الحزب مولت المحكمة).   

وعليه؛ فإن حصر السيد نصر الله كلامه بمسألة التمويل لا يعني حصر اعتراضه على المحكمة بمسألة تمويلها، وإنما هو مهتم بهذا الجانب حتى “يعرف الرئيس ميقاتي أن ينام”- وفق تعبير نصر الله- لأن حكومة ميقاتي حاجة اليوم لـ “حزب الله” ولسوريا، وقد سبق للرئيس ميقاتي أن تعهد – كما رئيس الجمهورية- في الأمم المتحدة نفسها وأمام العالم باحترام القرارات الدولية والتزامات لبنان تجاه المجتمع الدولي.  

غير أن الطريقة التي أخرج فيها نصر الله المسألة كلها لا تخلو من خداع:
أولاً: صوّر نصر الله الرئيس السنيورة متآمراً مع أميركا ويسعى لتأمين مخرج لها، عندما قال:  “أمام هذه الفضيحة قدّم الرئيس فؤاد السنيورة مخرجاً للأميركيين وللحفاظ على اليونيسكو”، في حين أنه سبق للرئيس السنيورة أن علل اقتراحه المتعلق بتمويل اليونسكو بـ “إحباط الابتزاز الإسرائيلي والتهويل والضغوط الأميركية من أجل الهيمنة”، وهو ما عاد وكرره السنيورة في رده على نصر الله، عندما قال: “المبادرة ليست مخرجاً للإدارة الأميركية، بل هي تعبير عن السخط والاستنكار للموقف الأميركي تجاه القضية الفلسطينية”!.

ثانياً: سوّق نصر الله دعوته لتمويل المحكمة من الدول العربية على أنه مخرج ينقذ لبنان من العقوبات الدولية، في حين أن نيته الحقيقية التخلص من المحكمة، التي قال في موضع آخر من خطابه أنه يتعامل معها “على أساس أنها غير موجودة ولا نريد أن نضيع وقتكم”. وهذا يعني فرض نصر الله إرادته على الحكومة ورئيسها من جهة، وعدم اكتراثه بموقف شارع عريض من اللبنانيين؛ يرى في المحكمة وسيلة وحيدة لتحقيق العدالة ولحماية لبنان من الجريمة السياسية.

ثالثاً: سخّف نصر الله العزلة التي يعاني منها لبنان حالياً –عربياً ودولياً- وحصَرَها بدفع مبلغ 50 أو 60 مليون دولار، في الوقت الذي تأخذ مواقف حزبه البلد إلى وضع خطير، إذا ما فُرضت عقوبات دولية على لبنان باعتباره دولة تحمي الإرهاب، وهو ما أشار إليه ممثل الادعاء في المحكمة –بالتزامن مع خطاب نصر الله- عندما تساءل عن المقصود بعبارة أوردها القاضي سعيد ميزا للمحكمة: “الوضع في لبنان حساس ودقيق”، حيث تساءل بالقول: “هل المقصود بهذه العبارة ما قالته قيادة منظمة معينة عن قطع اليد التي ستمتد إلى المتهمين وعن حماية هذه المنظمة للمتهمين؟”.     

إزاء ما سبق من محاولات التذاكي والخداع، ومواقف التهديد، وخطابات التحريض… هل أصبح “حزب الله” أبعد عن الشبهات أم أنه أقرب إليها من أي وقت آخر؟! وهل يمكن أصلاً فهم مواقفه بمعزل عن كونه طرفاً متهماً؟، أقله لإخفائه أربعة من قياداته مشتبه بتورطهم، وقد صدرت بحقهم مذكرات توقيف دولية!.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى