التحقيقات

الذكاء العقلي أرقى من الذكاء العاطفي والغرائزي \ أسامة إسماعيل

ما يحدث نتيجة حالة القطيع والتسييس وغياب التنظيم والتنسيق
الذكاء العقلي يختلف عن الذكاء العاطفي والغرائزي وهو أرقى منه. ويرتبط الذكاء العقلي بالفرد فيما يرتبط الذكاء العاطفي والغرائزي بالمجموعة أو الجماعة ويسمى ذكاء القطيع. ويتمايز الإنسان عن الحيوان بالذكاء العقلي والإرادة الفردية اللذين يحافظ بهما على حريته واستقلاله وكرامته وحقوقه وحدوده وملكيته. فيما يتشارك الإنسان مع الحيوان بالذكاء العاطفي والغرائزي الذي يجعله مقلّدا”لغيره أو للجماعة والقطيع في طريقة الكلام والمخاطبة والسلوك والمعتقدات والآراء والعادات والطقوس. وما هو موجود على الصعيدين الخاص والعام الإجتماعي والديني والسياسي والإقتصادي هو الذكاء العاطفي أو ذكاء القطيع أكثر من الذكاء العقلي، ما يشجع التعصب والتحزب والتسييس والتسلط والفوضى والتدخل في شؤون الفرد وخصوصياته، ويؤدي إلى أزمات اجتماعية واقتصادية ومالية وإنمائية كالأزمة الحالية في لبنان.
يفضّل صاحب الذكاء العاطفي والغرائزي على صاحب الذكاء العقلي بالمراتب الإجتماعية والوضع العائلي والوظيفي والمالي والإقتصادي وفي موضوع العلاقة بين الرجل والمرأة بل قد يحارب صاحب الذكاء العقلي أو النخبوي المستقل وقد يحدث التواطؤ والتآمر عليه من قبل أهل النكاية والحسد والطمع واللؤم أصحاب الذكاء العاطفي والغرائزي القريبين والبعيدين،ما يلحق به أضرارا مادية ونفسية وحتى جسدية. فالذكاء العاطفي والغرائزي لاينفع صاحبه إلا في نطاق الجماعة أو القطيع والتقليد والتبعية أو التواطؤ أحياناً، فيما الذكاء العقلي لا ينفع صاحبه إلا في النطاق الفردي الذي ينبذ حالة السير في القطيع الإجتماعي. وكما هو الحال على الصعيد الخاص كذلك على الصعيد العام الديني والسياسي والإجتماعي والإقتصادي حيث يتفوق الذكاء العاطفي والغرائزي أو ذكاء القطيع على الذكاء العقلي الفردي. وعلى صعيد السياسة الآنية المحلية هنالك أمور بعيدة عن الذكاء العقلي والمنطق بسنين ضوئية، ومنها افتعال أزمات غير مبررة وتوقيف معالجة هذه الأزمات بتبريرات لاعقلية ولامنطقية مثل الحرص على الدستور والقانون والصلاحيات رغم وجود مخالفات كثيرة تتعلق بالدستور والقانون يتناسوها، منها : التوظيف المسيّس والإنتخابي والهدر والثغرات القانونية التي أدت إلى تحويل الودائع بالعملة الصعبة من المصارف العاملة في لبنان إلى الخارج بدون ضوابط كافية وسقف محدد، ما أدى إلى أزمة سيولة بالعملة الصعبة في لبنان وارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أضعافا”مضاعفة مقابل الليرة اللبنانية التي انخفضت قيمتها إلى أكثر من 90%، والسماح باستمرار ما يسمى السوق السوداء أو السوق الموازي للدولار والمضاربة، ما يؤدي إلى عدم استقرار سعر الصرف وتآكل القدرة الشرائية لذي الدخل المحدود والمتدني رغم الزيادات على الرواتب والأجور، التي لم تطل الجميع وهي غير كافية. وانقطاع الكهرباء المستمر رغم زيادة سعر التعرفة على أساس منصة صيرفة للدولار وارتفاع كلفة الإشتراك بمولّد الكهرباء فوق قدرة ذي الدخل المحدود والمنخفض، وكذلك زيادة تعرفة الإتصالات فوق هذه القدرة. أليس افتعال الأزمات وتعطيل معالجتها بسبب التسييس ومسرحيات الخلافات وعدم العدالة وتحميل المواطن ذي الدخل المحدود والمنخفض أعباء” فوق قدرته مخالفة للدستور والقانون؟!
يبدو انحسار الذكاء العقلي أو العقل الفردي وتعاظم دور الذكاء العاطفي والغرائزي أو ذكاء القطيع أيضاً،
في بعض المعتقدات والعادات والتقاليد والمناسبات والطقوس الدينية المذهبية بالإضافة إلى ربط الدين أو المذهب بلعبة السلطة والزعامة والنفوذ والثروة والإنتخابات ومسرحيات الخلافات والتحالفات والحروب رغم أن أسبابها السياسة الآنية الدنيوية والمصالح الدنيوية، وغاياتها كذلك. وهذا ما صنعته الحروب الصليبية والحركة الصهيونية وبعض ما حدث في التاريخ الإسلامي.
الذكاء العقلي، كما سبق، يرتبط بالفرد وإرادته وحريته واستقلاله وحقوقه فيما الذكاء العاطفي والغرائزي يرتبط بالجماعة أو القطيع. وما يحدث على الصعيدين المحلي والإقليمي _الدولي، من إضطراب وفوضى واستبداد وتعصب وتحزب وظلم وحروب وأزمات مالية وإقتصادية وإنمائية سببه تهميش الذكاء العقلي أو العقل وإلارادة الفرديين وتعاظم دور الذكاء العاطفي والغرائزي أو ذكاء القطيع الذي يحاول بعض الباحثين وضعه بالمساواة مع العقل إستنادا”إلى ملاحظات وتجارب على حشرات وحيوانات إجتماعية تصف طبيعة التنظيم والتعاون لديها رغم أن مصدر الإجتماع والتنظيم والتعاون لديها هو الغريزة وليس الذكاء العقلي أو العقل وإلارادة الفرديين والشخصية الحرة المستقلة للحيوان الإجتماعي. فالتنظيم والتنسيق اللذان يساعدهما الذكاء العقلي أو العقل وإلارادة الفرديان يختلفان عن التجانس الإجتماعي. والإستقلال والحرية والخصوصية لدى الإنسان ليست بالجسم فحسب كما هو الحال لدى الحشرات والحيوانات الجماعية بل هي أيضاً بالفكر والرأي والسلوك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى