التحقيقات

بين السياسة الإنتخابية والشعبوية وسياسة الإدارة والتنمية والنخبة \ أسامة إسماعيل

السياسة الآنية ومسرحيات الإنتخابات والتحالفات والتفاهمات والخلافات على الصلاحيات والمناصب والحصص وإثارة الطائفية والإرتباط بالخارج هي الأسباب الأساسية للواقع السيء الحالي والأزمة الراهنة المفتعلة. فهذه السياسة والمسرحيات والتمثيليات المملة والمزعجة والمؤذية تختلف عن سياسة الإدارة والتنمية والعلم والنخبة. ولهذه السياسة والمسرحيات نتائج سيئة جداً على الوضع المالي والنقدي والإقتصادي والإنمائي. وهذا ما يظهر بوضوح في الأزمة الراهنة والمعالجات المبتورة والترقيعية وغير الناجعة لمشكلة ارتفاع سعر الدولار الأميركي وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية إلى 95%

وارتفاع أسعار السلع والمواد والخدمات ومشكلة انقطاع الكهرباء.
هذه السياسة والمسرحيات المملة والمزعجة والمؤذية هي نتيجة الديموقراطية الإنتخابية الطائفية الحزبية والإرتباط بلعبة الدول الكبرى والإقليمية حيث الكم والعدد ذات المدلول الشعبي والطائفي والحزبي والإنتخابات والتظاهرات الشعبية تتحكم وتؤثر بالحكم والقرار والأداء والسلوك المتعلق بالشأن العام والإدارة والإقتصاد والتنمية. وتربط الإنتخابات والمناصب والوظائف والحصص بالمذهب أو الطائفة الدينية والأحزاب و”الزعماء” الذين لايمثلون كل المولودين على هذا المذهب أو ذاك بل يمثلون أنفسهم والتابعين لهم فقط. ومايحصلون عليه من مكاسب مادية ومعنوية من جرّاء توليهم المناصب وإدارة الدولة والشأن العام لاينفع كل المولودين على هذا المذهب أو ذاك بل ينفعهم هم والتابعين لهم فقط. وهم، حكماً، لايدخلون أحداً حتى التابعين لهم والذين ينتخبونهم في الجنة. فلعبة التمثيل الطائفي والحزبي والشعبي في النظام الديموقراطي الإنتخابي اللبناني هو تمثيل لمن يسمون “زعماء” وأحزاب ومجموعات ترتبط بدول خارجية كبرى وإقليمية وتخدم نفوذها وأدوارها في هذا البلد. وتسهم وسائل الإعلام والتواصل المسيّسة والتابعة في تسويق السياسة الآنية ومسرحيات الخلافات والتحالفات والإنتخابات. ويظهر التناقض لدى هذه الوسائل بين مع وضد ووسط وبين ادّعاء الإستقلال من جهة ومديح هؤلاء وهجاء أولئك وبين “كلن يعني كلن” واستثناء البعض منهم وبين التسويق للأزمة الراهنة منذ بدايتها حتى اليوم والمعالجات الجزئية والترقيعية وغير الناجعة لها وبين الأشعار البكائية والرثاء َوالتوجع لنتائج الأزمة الإقتصادية والمعيشية والإجتماعية والإنمائية ومعاناة الناس من جهة والترويج بأن الإنتخابات النيابية والرئاسية ستحل الأزمة والمشكلات وبأنها المنقذ فيما الواقع مغاير لهذه الوعود والآمال!
الأزمة الراهنة والمشكلات القديمة الجديدة في لبنان لاتنتهي بالإنتخابات النيابية وانتخاب رئيس الجمهورية وتأليف حكومة جديدة لأن المشكلة في الأساس هو السياسة الآنية الطائفية والحزبية والشعبوية ومسرحيات الخلافات والتحالفات والإنتخابات التي يشجعها النظام الديموقراطي الإنتخابي الطائفي الحزبي ولعبة الدول الكبرى والإقليمية. لذلك تغيب، بشكل عام، سياسة الإدارة والتنمية والنخبة والعلم وتسود سياسة الزعامة والتمثيل الطائفي والحزبي والعددي الشعبي وتقاسم السلطة والحصص والإرتباط بالخارج. فتتخبط البلدَ الأزمات المالية والنقدية والإقتصادية والإنمائية والإجتماعية كالأزمة الحالية وتغيب الحلول والمعالجات العلمية الشاملة والمتكاملة والناجعة وتسود المعالجات الجزئية والترقيعية والمؤقتة وغير الناجعة، وتُدخَل المعالجات في “زواريب” التسييس والتحزب والطائفية والشعبوية كما كان التسييس هو السبب الأساسي للأزمة الحالية. ويبدو التخبط واضحا”في معالجة ارتفاع سعر الدولار الأميركي وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 95 %. فهذه المعالجة جزئية ومؤقتة وغير ناجعة. فإعلان اعتماد 15000ل.ل. سعراً رسمياً للدولار من قبل المسؤولين عن الوضع المالي والنقدي دون إلغاء سعر السوق السوداء وسعر صيرفة ودون رفع الرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص إلى ما يتناسب مع السعر الرسمي الجديد للدولار ودون مراقبة الأسعار في الأسواق ومنع المضاربة لا ينفع. وإذا قال المسؤولون إنهم لا يقدرون على ذلك، فلماذا ألغوا سعر 1500ل.ل واعتمدوا سعر 15000ل.ل.بدلا”من 3000 أو 6000ل.ل.مثلا؟ معنى ذلك أنهم لحقوا بركاب السوق السوداء منذ اعتمادهم سعر منصة صيرفة الذي لايفرق عنها إلا بعشرة آلاف ليرة تقريبا”. والذي لم يقدر على إبقاء سعر 1500ل.ل.الرسمي وسمح بتهريب الكثير من الودائع بالعملة الصعبة إلى الخارج ليقول بعد ذلك إنه لم يبقَ في الإحتياط الإلزامي للمصرف المركزي إلا القليل من الودائع بالدولار هل يستطيع أن يلغي السوق السوداء والمضاربة ويخفض سعر الدولار ويثبته عند حد معين يتناسب مع القدرة الشرائية للفرد؟! وهل زيادة تعرفة الكهرباء قبل حل مشكلة ارتفاع سعر الدولار وانخفاض قيمة الليرة وعدم رفع مستوى الرواتب والأجور يحل مشكلة الكهرباء وانقطاعها، وبخاصة أن ذوي الدخل المحدود والمنخفض الذين لايستطيعون دفع فاتورة الإشتراك بمولد الكهرباء لايستطيعون دفع زيادة التعرفة لكهرباء الدولة، وقبل زيادة عدد ساعات التغذية بكهرباء الدولة. فهذه معالجة مبتورة وجزئية وغير عادلة. وكذلك زيادة تعرفة الإتصالات غير عادلة وتزيد الأعباء على ذي الدخل المحدود والمنخفض. وقد بينت الإحصاءات الأخيرة أن لبنان من أغلى دول العالم على صعيد الإتصالات، وخامس الدول العربية على صعيد غلاء سعر الإنترنت على الهاتف الخليوي أو المحمول بواقع 3دولارات لغيغابايت واحد أي أكثر من 150000لَ.ل.!!!
إن مفهوم سياسة الإدارة والتنمية والعلم والنخبة يختلف تماماً عن المفهوم الذي يحصر إدارة الدولة والشأن العام والإقتصاد والتنمية بالأثرياء وذوي الشعبية والطابع الطائفي والمذهبي والأحزاب والمرتبطين بدول خارجية. فسياسة الزعامة الطائفية والشعبية والأحزاب والإرتباط بالخارج والأثرياء أدت وتؤدي إلى أزمات ومشكلات متتالية ونتائج سيئة على الأوضاع المالية والنقدية والإقتصادية والإنمائية والإجتماعية وعلى الحرية الفردية والفكرية والعدالة والتوازن. وتسهم وسائل الإعلام والتواصل المسيّسة والتابعة في تشجيع هذه المنهجية والسياسة التي تحاول أن تهمّش النخبوي الحر المستقل الناقد وتظلمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى