المقالات

كيف نجح الغرب في صناعة الصراع بالسودان.. ومتى يتوقف بين الجنرالين؟

بقلم: ناجح النجار- كاتب صحفي- باحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية

يبدو أن تغيير النظام القائم في السودان بات أمرًا ضروريًا حتميًا فهو لا يزال ممكنًا، لاسيما بعد فشل طرفي الصراع في القيام بمسئولياتهما تجاه المواطن السوداني، كما يبدو أن الانفجار الشعبي في وجه القوات المتصارعة على السلطة لم يأتِ بعد؛ نتيجة تردي الأوضاع المعيشية ومعاناة المرضى بالمستشفيات ونقص الخدمات.

يدفع الشعب السوداني فاتورة صعبة؛ نتيجة الصراع على السلطة بين الفريق عبد الفتاح البرهان من جهة، وقائد قوات الدعم السريع من جهة أخرى، ونتيجة الاشتباكات الدائرة، خصوصًا في مواقع استراتيجية في أنحاء العاصمة “الخرطوم”، بين عناصر الجيش النظامية، والقوة التي تُعد شبه عسكرية، سقط العديد من القتلى والجرحي ولا يزال تعداد الوفيات في ارتفاع، كذلك خروج عشرات المستشفيات من الخدمة، وفرار قرابة الثلاثين ألفًا من النازحين السودانيين إلى دولة تشاد قبل أن تغلق حدودها مع السودان.

موقع السودان:

يقع السودان في شمال شرق إفريقيا على حدود سبع دول، من ضمنهم دولتان كبيرتان، إذ تحدها مصر من الشمال وإثيوبيا من الشرق، كما أن لديها شريطًا ساحليًا مع البحر الأحمر، وهو منفذ ضروري لأغراض التجارة، إذ كانت السودان أكبر دولة في القارة الأفريقية قبل استقلال جنوب السودان عام 2011 بعد سنوات من الحرب الأهلية.

هل الصراع الدائر في السودان وليد اللحظة؟

يمكن القول بأن ما يحدث في السودان من صراعات ومعاناة للمواطنين ليست وليدة اللحظة، إنما هى مخططات تمت بعقول غربية خبيثة، حيث منذ عام 1999 دخل السودان نادي الدول المنتجة للنفط، وهو ما ربما أغضب الدول الغربية، حيث وصل دخل النفط في عام 2006 إلى نحو 27 مليار دولار، الأمر الذي مكن حكومة السودان من تجاوز أزمة الحصار الأمريك، الأأمر الذي لم يعجب الغرب البتّة، حيث بدأ في دعم الحركات الانفصالية في الغرب والجنوب، ما نتج عنه الحرب الأهلية، الأمر الذي أجبر حكومة السودان لتوقيع اتفاقية السلام مع الحركة الانفصالية في الجنوب عام 2005 التي تسمح بحكم ذاتي لمدة 6 سنوات ومن ثم التصويت علي الانفصال في 2011 وهو ما حدث بالفعل آنذاك، إذ انفصل الجنوب ومعه ثلاث أرباع النفط السوداني.

بعد ذلك، وقع الجنوب اتفاقية مع حكومة الشمال لتصدير النفط عبر خطوط أنابيب تربطه بميناء بورسودان، مقابل رسوم مرور تصل لـ 26 دولار علي البرميل، بجانب دفع تعويضات 3 مليارات دولار كتعويض للشمال عن خسارة النفط، ولكن وربما بدوافع غربية رفض جنوب السودان خلال عام 2012 دفع تكاليف المرور مما حرم السودان من رسوم مرور تصل لـ 2 مليار دولار سنويا، الأمر الذي اضطر السودان اللجوء إلى صندوق النقد الدولي عام 2013، وبالتالي تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين وتأجج الأزمات.

ثم بعد ذلك، وفي أكتوبر 2021 منذ انفراد المجلس السيادي بالحكم في السودان، ومعه قائدان عسكريان في قلب النزاع، وهما قائد القوات المسلحة الرئيس الفعلي للبلاد عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، وحينما اختلفا الرجلان على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم ديمقراطي، تحول الخلاف إلى صراع على السلطة وتبادل الاتهامات فيما بينهما.

ماذا عن قوات الدعم السريع؟

تشكلت قوات الدعم السريع عام 2013 وتعود أصولها إلى ميليشيا قبائل “الجنجويد” التي قاتلت بضراوة المتمردين في دارفور أثناء حكم عمر البشير، ومنذ ذلك الحين، سعى “دقلو” إلى تأسيس قوات قوية تدخلت في صراعات في اليمن وليبيا، وهي تسيطر على بعض مناجم كبيرة من الذهب في السودان وتهريبها إلى الخارج ومنها في منطقة بـ “جبل عامر”، كما اُتهمت قوات حميدتي بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، بما في ذلك مجزرة قتل فيها أكثر من 120 متظاهرًا في يونيو 2019.

ما الذي يترتب على استمرار الصراع؟

إن استمرار القتال قد يؤدي إلى سيناريوهات عدّة وخطيرة للغاية لا يُحمد عقباها، يمكن أن نلقي عليها الضوء في الآتي:

  • المزيد من الاضطرابات وتفاقم الأزمة السياسية في البلاد قد يحول البلاد إلى حرب أهلية مع صعود المنتفعين لكلا الطرفان المتصارعان.
  • إن استمرار النزاع المسلح سيعني حدوث فراغ في السلطة يسمح بتحول السودان إلى حالة من الانهيار الكامل ومعاناة المواطن السوداني نتيجة الشلل التام بكافة الخدمات في ظل انقطاع المياه وغياب السلع.
  • ستؤدي الأوضاع الصعبة في السودان إلى مصادر تهديدات لكل الدول المحيطة والمجاورة بالمنطقة ومنها مصر وليبيا.

الخلاصة:

  • إن الخروج من الأزمة في السودان يستوجب مباردتان عاجلتان من الفريق البرهان الحاكم الفعلي للبلاد ونائبه الفريق دقلو، لإنقاذ البلاد من الوقوع في براثن الإرهاب والتطرف، والحرب الأهلية.
  • في تقديري، أن الفريق البرهان لديه مفاتيح الحل بشكل أكبر عن نائبه، حيث معه الجيش النظامي للبلاد والأقوى بكثير من قوات الدعم السريع، وبالتالي يمكن أن يدعو البرهان، القوى السياسية والوطنية والأحزاب للتشاور وتشكيل مجلس رئاسي لفترة مؤقتة، يتبعها بعد ذلك الانتقال إلى سلطة جديدة من خلال انتخابات نزيهة يحميها الجيش نفسه، وبالتالي سيضع مثل هذا الإجراء الفريق “حميدتي” في مأزق وكشفه أمام الشعب، إما أن يقبل أو يكون بعد ذلك في مواجهة أمام الجيش والشعب في ذات الوقت.
  • كما أن إصرار الطرفان المتصارعان في السودان يدفع ثمنه الشعب السوداني من جهة، كما ستدفع ثمنه المنطقة بأثرها.
  • يجب أن يقطع البرهان وحميدتي كافة الطرق على المتربصين بالسودان والمنتفعين، سواء داخليًا أو خارجيًا، فالسودان يُعد مطمعًا كبيرًا للقوى الدولية التي تُعد جزءًا أصيلا في هذا الصراع، والدليل أن الجنرال حميدتي قد تلقى الضوء الأخضر من بعد السفراء الغربيين قبل الاشتباكات بساعات قليلة كما تدعمه بعد الدول بالمنطقة.
  • لابد أن ينصت البرهان وحميدتي للوساطة المصرية – السعودية، فكلا الدولتان لهما علاقات وصداقات قوية مع الطرفان المتنازعان، كما أن لمصر ثقل استرايتيجي وأمني بالمنطقة تُعول عليها كل الدول الغربية.
  • يجب أن تتوقف الوساطة الغربية تمامًا، فعندما تدخّل مبعوث الأمم المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية في عملية التوافق السياسي الأخيرة في السودان التي كادت أن تصل إلى اتفاق بين القوى السياسية، لم يقرّب وجهات النظر؛ بل ساهم في تأجيج الأزمة وشحن كلا الطرفين بشكلٍ خفيّ، فالنزاع الدائر بالسودان يتحمله البرهان وحميدتي، بجانب التدخلات الغربية التي تبحث عن مصالحها مثلما حدث في ليبيا.
  • إن الدول الغربية لا يعنيها في المقام الأول وقف النزاع أو موت الأبرياء؛ بل اشتعال دول المنطقة لتحقيق مكاسبها واستنزاف ثرواتها (ليبيا نموذجًا).

حفظ الله مصر والسودان وكل الشعوب العربية من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى