التحقيقات

بين الهروب إلى تقديس بشر والهروب إلى الطبيعة وخالقها \ أسامة إسماعيل

الإنسان لايهرب من هموم الحياة ومشكلاتها والضغوط والأعباء التي يسببها البشر إلى تقديس بشر والولاء لهم وحتى عبادتهم في بعض المعتقدات والمذاهب بل يهرب إلى الطبيعة والذي خلق الطبيعة والبشر والكائنات. فالهروب إلى تقديس أشخاص بشريين والولاء لهم أو حتى عبادتهم لايحرر الإنسان من الشعور بالدونية والعبودية ولايزيل عنه الهموم والضغوط والأعباء النفسية والإجتماعية التي يسببها البشر وظروف الحياة المحيطة بالفرد بل إنه يؤدي إلى زيادتها.
المعتقدات والمناسبات والعادات والطقوس والأناشيد والشعارات التي يكون محورها تقديس أشخاص بشريين والولاء لهم أو حتى عبادتهم هي نقيض الحرية والإستقلال والكرامة الفردية والعدالة والراحة النفسية وهي أيضاً نقيض العقل وإلارادة الفرديين. فأساسها ليس عقلياً بل أساسها نصوص موضوعة وتأويلات وعواطف جماعية. فالتطور الذي وصل إليه الدين هو الإنتقال من عبادة الطبيعة والبشر وتقديسهم إلى عبادة خالق الطبيعة والبشر والكائنات وتقديسه. ولكن النكوص أصاب الدين عندما أراد الملوك والسلاطين والحاكمون و"الزعماء" والأحزاب عبر التاريخ حتى اليوم استخدام الدين لأجل السلطة والسيطرة والنفوذ والثروة فحولوا الدين إلى مذاهب وطوائف وفرق، وكل مذهب يتبع أشخاصاً ويقدسهم ويقدم لهم الولاء ويخصص لهم مناسبات وأعيادا"وأياما" وطقوسا"وعادات وأناشيد، تختلط فيها الأساطير والتخيلات والمغالاة مع العواطف الجماعية والضجيج،وإن كانت في مذاهب وطوائف أكثر من أخرى، ومن شأنها ترسيخ حالة القطيع الجماعي، فيشذ الدين عن غايته القصوى وهي الجنة الأخروية والدنيوية. فجنة الدنيا هي الحرية الحقيقية التي تتناقض مع الفوضى والتفلت والإستبداد والتعصب، والإستقلال والكرامة الفردية والعدالة والتوازن والراحة النفسية والشعور بالأمان، والإكتفاء الذاتي والهدوء وغياب الإزعاج والألم والحرمان. وهذه الغايات لاتتحقق عبر الهروب إلى تقديس بشر والولاء لهم أو حتى عبادتهم والمناسبات والطقوس والأناشيد والشعارات المخصصة لهم والضجيج وحالة القطيع بل عبر اللجوء إلى الإيمان الحقيقي والعقل والإرادة الفرديين والعلوم والفنون الراقية وتأمل الكون والطبيعة. فما الفائدة من الدين إن لم يحرر الإنسان من عبادة أشخاص وجماعة وحزب أو تقديسهم والولاء لهم؟ وإن لم يساعده على التخلص من مشكلاته وهمومه وضغوط المجتمع وأعبائه والضجيج والإزعاج والقلق؟ وإن لم يحرره من حالة القطيع وإن لم يشعره بقيمته الفردية وتمايزه؟
سياسة الزعامة والسلطة والسيطرة والإنتخابات والنفوذ والثروة هي السبب وراء إبعاد الدين عن جوهره وإدخال شوائب واختلالات فيه فيصبح مصدر نفور ونبذ وإزعاج بدلاً من أن يكون مصدر جذب وارتياح واطمئنان وإنصاف. فعندما يفرض على الفرد إعلان التقديس والولاء والتبعية لأشخاص بشريين وجماعة أو طائفة وحزب بدلاً من عبادة الله وتقديسه والولاء له وحده وتأمل الكون والطبيعة باتساعها وتنوعها وهدوئها واضطرابها وإعلاء شأن العقل وإلارادة الفرديين والعلوم والفنون الراقية، يشعر بالدونية والظلم والقهر والقلق والضغوط والإنزعاج والضيق النفسي. فعلى الدين تبديد هذه الأمور وإزالتها عن كاهل الإنسان الفرد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى