التحقيقات

تحرير الأرض دون تحرير العقل وإلارادةوالنفس ليس كافيا” \ أسامة إسماعيل

تحرير الأرض دون تحرير العقل وإلارادةوالنفس ليس كافيا" لتحقيق السعادة والراحة. فالظروف والقرارات الدولية والأعمال العسكرية تؤدي إلى إنسحاب جيش محتل من أراضي دولة مجاورة ولكن نهاية احتلال عسكري ومادي لأرض لايعني نهاية إحتلال من نوع آخر هو احتلال الأذهان والنفوس والأجساد والسلوك والعاطفة والإقتصاد وهو احتلال التقديس والولاء لأشخاص وطوائف وأحزاب واحتلال حالة القطيع الطائفي والعشائري والحزبي والشعبي، واحتلال الفوضى والفساد الإجتماعي والمالي والإداري والإقتصادي وقلة الذوق و"طك الحنك" والسطحية، واحتلال التبعية السياسية والاقتصادية لدول خارجية، واحتلال المناصب والوظائف وفرص العمل والوجاهة والصدارة والمداخيل والرواتب المرتفعة من قبل التابعين والمحسوبين والطائفيين والشعبويين والمزعجين والمتملقين والوصوليين وعديمي العلم والثقافة والجدارة والذوق السليم.
إن من يرفع شعار المقاومة وتحرير الأرض عليه أن يكون أولاً حرا"بعقله وإرادته وسلوكه مستقلا" ولايمارس دور الإحتلال عبر فرض معتقداته وآرائه ومناسباته وشعاراته على الآخر وإزعاجه واستفزازه ومحاولة التدخل في أموره الشخصية والفكرية والمهنية وممارسة الوصاية عليها والإضرار بمصلحته. وإذا كانت الحرية هي أحد الأهداف المشتركة للفلسفة والعلم والدين والسياسة و"المقاومة" فهل تحرير الإنسان من عبادة الأصنام والأوثان يكتمل مع تقديس أشخاص والولاء لهم في المعتقدات والمناسبات والعادات والطقوس؟ وهل تحرير الفرد وفق الليبرالية السياسية يكتمل مع ديكتاتورية الأكثرية في الديموقراطية الإنتخابية العددية وتهميش النخبوي المستقل في الإدارة والإقتصاد والمجتمع مقابل إفساح المجال للجميع بمن فيهم الجاهل والسطحي والشعبوي والطائفي والفوضوي والمتسلط والفاسد للترشح والإختيار والمشاركة بالقرارات العامة والوصول إلى المناصب وتولي الشأن العام؟ وهل تحرير الأرض يكتمل مع تشجيع حالة القطيع والولاء والتقديس للأشخاص والطوائف والأحزاب وفرض المعتقدات والآراء والمناسبات والشعارات على الآخر وحالة الفوضى والتسلط والتعصب؟ وهل حرية المبادرة الفردية في الإقتصاد تكتمل وتستقيم مع حرية المضاربة وتهريب الأموال بالعملة الصعبة إلى الخارج ورفع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية والمنافسة غير المشروعة وجشع التجار والمستوردين الكبار واستغلال الأزمة لزيادة الأرباح؟ وهل الحرية الإقتصادية تعني الفوضى وإثراء البعض وإغنائهم على ظهر غيرهم وتوظيف التابعين والمحسوبين والمقربين وتنفيعهم على حساب المثقف النخبوي المستقل صاحب الكفاءة والجدارة والذوق السليم؟
إن شعار "المقاومة والتحرير" يستعمل كالعملة الصعبة أو السلعة الرائجة التي يتاجر بها البعض في سوق المع والضد وسياسة الإنتخابات والطائفية والتحزب لأجل السلطة والمناصب والوظائف والنفوذ والحصص والزعامة ومصالحهم المادية ولأجل دول خارجية ولتبرير السلوك المزعج والمؤذي والإستفزازي والمتسلط والفوضوي والتجسسي الذي يقوم به بعض أتباع السياسيين والأحزاب الذين يرفعون شعار "المقاومة والتحرير"، وكذلك بعض أتباع الذين يقولون إنهم سياديون وضد "محور المقاومة والممانعة"، ويتخذ هذا الشعار أيضاً غطاء"لتبرير الظلم وتمكين غير الأكفاء وغير الجديرين والجهًال والسطحيين وغير المثقفين النخبويين والمزعجين مادياً واقتصادياً واجتماعياً وَمعنويا"على ظهر المثقف النخبوي المستقل صاحب الكفاءة والجدارة والذوق السليم، ويستعمل هذا الشعار لترسيخ عقيدة الولاء والتقديس لأشخاص بشريين وطائفة وحزب، وهذه العقيدة تشوه مفهوم الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد وتحرفها عن غاياتها الحقيقية نحو التسلط والفوضى والظلم والتعصب وافتعال الأزمات وإغناء أشخاص وإثرائهم على ظهر آخرين، ومحاولة تهميش المثقف النخبوي الحر المستقل وإقصائه. لذلك، إن تحرير الأرض لايكتمل بدون تحرير العقل وإلارادةوالعاطفة والغريزة والمصلحة المادية من حالة القطيع الطائفي والعائلي والعشائري والحزبي والشعبي. فالمثقف النخبوي الحر المستقل هو الذي يحدد رأيه واتجاهه إزاء الحياة والدين والسياسة و المجتمع والإقتصاد والفن عبر عقله وإرادته وليس القطيع والآخرون وهو الذي يصنف نفسه.
        أسامة إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى