التحقيقات

من هم المستفيدون من الأزمة المالية والنقدية والإقتصادية في لبنان؟ \ أسامة إسماعيل

  إن أكثر المتضررين من الأزمة المالية والنقدية والإقتصادية المفتعلة في لبنان هو النخبوي الحر المستقل الناقد فيما الأكثر استفادة واستغلالا"لهذه الأزمة هم مسببوها ومفتعلوها والفاسد والتابع والإنتهازي والمستغل والطائفي والشعبوي. وإن السبب الأساسي لهذه الأزمة ليس اقتصادياً وماليا" ونقديا"فحسب بل هو أيضاً بنيوي (structurel) سياسي إجتماعي إقتصادي نفسي. فالإقتصاد والمال والنقد تتأثر سلباً بالسياسة الآنية التي تختلف من حيث المفهوم والمعنى والغاية والنتيجة عن السياسة العامة والإدارة اللتين تتأثران سلبا"بأداء السياسيين والمسؤولين والأحزاب الذين يديرون الدولة والذين يمثلون دور المعارضة، وبلعبتهم السياسية الآنية ومسرحيات صراعاتهم وخلافاتهم التي يحفزها النظام الديموقراطي العددي الطائفي الحزبي واللعبة الدولية الإقليمية.
  إن الأسباب المباشرة والظاهرة لهذه الأزمة هي مسرحية الخلافات داخل الحكومة واستقالة وزراء قبل 17تشرين الأول 2019، والتحويلات المالية بالعملة الصعبة المتزايدة والمتسارعة إلى الخارج في تلك الفترة، ما أدى إلى زيادة الضغط على العملة المحلية وانخفاض قيمتها الشرائية بنسبة 95% مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في أسواق التداول أو مايسمى "السوق السوداء". أما الأسباب غير المباشرة والبنيوية فهي النظام السياسي الإنتخابي الطائفي الحزبي الذي يشرع الأبواب أمام مسرحيات الخلافات والتوافقات المرتبطة باللعبة الدولية الإقليمية وتأثيراتها السيئة في الإقتصاد والنقد والنمو؛ وحالة القطيع الشعبي والطائفي والحزبي في المجتمع التي تستجيب لمسرحيات الخلافات والتوافقات والأزمات المفتعلة في الإتجاه الذي يريده مسببوها ومفتعلوها المحليون والإقليميون والدوليون، فتكون النتيجة المزيد من التدهور الإقتصادي والمالي والنقدي والإنمائي والمزيد من الأعباء المالية والضريبية الثقيلة على الفرد المواطن ذي الدخل المحدود والمنخفض والمزيد من التضييق والضغوط على الحرية الفردية والفكرية والمهنية، وخاصة المتعلقة بالنخبوي الحر المستقل الناقد؛ ومن الأسباب أيضاً التربية والعادات التي تجعل مقياس النجاح والبطولة والإرتقاء هو جمع الثروة والوصول السريع إلى المناصب والسلطة والوظائف والنفوذ والإمتيازات عبر مختلف الوسائل والأساليب. فالتبعية والفساد هما طريقان سريعان للوصول إلى الغنى والثروة والسلطة. ويقول هاري تروماس :"لايمكنك أن تغنى من طريق السياسة إلا إذا كنت فاسدا".ومن الوسائل إنماء الثروات عبر الفوائد المرتفعة على الودائع المصرفية غير الإستثمارية وغير ذات النفع العام، والمضاربة، والتلاعب بسعر صرف العملة الصعبة، وإنشاء شركات وأسهم وهمية، والصفقات والتنفيعات المتعلقة بتنفيذ مشاريع وأشغال عامة، و" المحسوبية "(Favouritism)، والرشاوى. ومن الأسباب غير المباشرة تقاعس معظم وسائل الإعلام والتواصل عن دورها الثقافي والإرشادي والتغييري الحر المستقل بالتوازي مع أداء سيء ذات رجع صدى Feed Backسلبي. فالأسباب البنيوية غير المباشرة تحفّز الأسباب المسيّسة والمالية والنقدية والإقتصادية الظاهرة والمباشرة للأزمات والمشكلات في هذا البلد، وتشجع مفتعلي الأزمة الحالية ومسببيها والمسؤولين عنها على التلاعب بالمال والإقتصاد وسعر صرف العملة الصعبة لأجل ممارسة ضغوط ما والوصول إلى غايات معينة في مسرحيات السياسة الآنية والصراع السياسي وتحقيق الأرباح المالية لهم وللتابعين والقريبين لهم. ويعتبر النخبوي الحر المستقل الناقد الأكثر تضرراً من هذه الأزمة المفتعلة على صعد العمل والدخل والقدرة الشرائية والحرية والراحة النفسية والشعور بالأمان، فيما الأكثر استفادة واستغلالا"لها هم المسببون لها ومفتعلوها والتابعون لهم والفاسدون والمضاربون والمستغلون والإنتهازيون والشعبويون والطائفيون. وإن السياسة الشعبوية والطائفية والحزبية الآنية هي سياسة إلهاء واستغلال وتملق الجمهور لاتسعى إلى إيجاد حلول عاجلة وشاملة وعادلة وناجعة للأزمات والمشكلات المزمنة وطويلة المدى. وتندرج في هذا السياق مسرحية انتخاب رئيس الجمهورية وانتظار ما تنعم به الدول الكبرى والإقليمية على لبنان في هذا المجال وكذلك انتظار ماينعم به صندوق النقد الدولي على هذا البلد بعد تنفيذ شروطه، وطرح شعارات وملفات وقضايا، لا علاقة لها بمعالجة الأزمة الحالية التي يسأل عنها طارحو هذه الشعارات والملفات. وفي بداية أزمة 17تشرين الأول 2019 أنزل الناس إلى الشارع للتظاهر لأجل قضايا مطلبية ومعيشية واجتماعية سرعان ما تحولت إلى قضايا وملفات تتعلق بالسياسة الآنية ومسرحيات الصراع السياسي مثل رئاسة الجمهورية والحكومة والإنتخابات النيابية والعلاقة مع الخارج. وقد تحقق بعض هذه الأمور دون أن تتحسن الأوضاع المالية والنقدية والإقتصادية والإنمائية بل ازداد التضخم وارتفاع الأسعار وتعرفة خدمات الدولة، وتراجع القدرة الشرائية وفقدان الكثير من فرص العمل والوظائف، وازداد وضع الكهرباء سوءا"وكذلك ازدادت مشكلة النزوح السوري وضغوطه علىَ الواقع اللبناني.
إن هذه السياسة الآنية التي تنحدر من الديموقراطية العددية الطائفية الحزبية والتربية والعادات السيئة تستغل العواطف والملفات المطلبية والمعيشية والإجتماعية والإنمائية لخدمة البعض ومصالحهم فتفتعل الأزمات والمشكلات وردات الفعل الشعبوية واللاعقلانية تجاهها وتحجب الحلول العاجلة والشاملة والعادلة والنافعة بذرائع مختلفة مثل عدم توافر الأموال بالعملة الصعبة ونقص الإيرادات وانتظار الإصلاحات وموافقة صندوق النقد الدولي على الإجراءات المتخذة من قبل الدولة وكذلك انتظار انتخاب رئيس الجمهورية ثم تأليف الحكومة... في دوامة لاتنتهي، المستفيد منها هم مسببو هذه الأزمة ومفتعلوها والتابعون لهم والفاسدون والمستغلون والإنتهازيون والشعبويون والطائفيون فيما المتضرر الأكبر منها هو النخبوي الحر المستقل الناقد الذي يرفض حالة القطيع بجموده وعبئه الثقيل وضجيجه العقيم والمزعج والإستفزازي وعاداته وتقاليده وطقوسه اللاعقلانية والضاغطة والمكلفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى