المقالات

الأمن على القضاء … أم القضاء على الأمن…كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف

مع قيام فكرة الدولة ، وإعتماد القوانين والأنظمة التي تسيّر شؤونها لتعم العدالة بين جميع المواطنين فيها ، وليعم الأمن والسلام أرجاء البلاد ، وليعيشوا في حياة حرة كريمة ، وكانت هذه المسلمات هي عناوين نشوء الدول بعد معاناة ومضايقات الإمبراطوريات والملكيات والسلطنات التي كانت قائمة على الإستبداد والظلم والتحكم بالشعوب وفق أهواء الحاكم أو بناء لمزاجيات بعض العائلات أو العشائر والقبليات ضمن مفاهيم التقاليد أو الطبقيات والتوزيعات الفئوية ، وفي بعضها وفقاً للعنصرية والشعوبية والعرقية، حتى جاءت أفكار التحرر من العبودية وتأليه الأشخاص ، وإلى الإنقلاب على التقاليد البالية في الإستبداد والظلم ، لتكون للشعوب حق في تقرير المصير والمشاركة بالحكم والسلطة وفق معايير وأنظمة تنوعت مع الظروف المكانية والزمنية التي تتوافق مع بيئة المجتمعات في كل دولة…
ضمن هذه المسلمات ، وفي خضم المعايير المعتمدة لقيام الدول ، إتخذت الدساتير والقوانين والأنظمة لتحدد مسار كل دولة وكان القاسم المشترك فيما بينها ، هو إعتماد مبدأ فصل السلطات وأهمها : التشريعية والتنفيذية والقضائية مع إعتماد القوى والأجهزة الأمنية للحفاظ على الدول وعلى الشعوب بحسن تطبيق النظام وفق الدساتير والقوانين بما فيه مصلحة الشعوب التي هي الغاية الأساسية لقيام مفهوم الدولة وعدالة الحكم …
وإذا أردنا أن نعكس ذلك على دول المنطقة العربية عامة وعلى لبنان خاصة ، لنجد الفارق الكبير في المفاهيم وفي القواعد التي تبنى عليها قيام الدول ، لنجد أن الأنظمة والسلطات المختلفة بالتسميات والأشكال ، ولكنها متحدة بالتسلط والهيمنة ، ومعظمها جاء بعملية إسقاط على واقع الأرض ، فمنها المركب بموجب التقاليد الموروثة والمفروضة على الشعوب بموجب إتفاقيات دولية جاءت بعد حروب وإجتياحات عسكرية زرعت فيها أنظمة تابعة ومتبوعة ، ومنها من رسمت حدودها بموجب توزيع الغنائم بعد نتائج الحرب العالمية الأولى وإنتصار دول الحلفاء على دول المحور ومنها السلطنة العثمانية التي كانت تحكم المنطقة ، فكانت إتفاقية سايكس بيكو التي قسّمت المنطقة العربية كغنائم الى الإحتلالين الفرنسي والإنكليزي ، لتفرضا فيها الأنظمة على دول قسمت بخطوط خارطة طريق الغنائم لهم والهدايا لأتباعهم بالتسلط على كل دولة أطلقوا عليها تسميات دول وأوطان وإتخذت لها أعلام للتمجيد والتحديد في الصعيد الجديد …
ومع الدخول والغوص بمقومات هذه الدول وفرض أنظمتها وتكريس الأتباع على سلطاتها والتحكم بها ، لنأخذ المثال الواقعي المتمثل بالنظام اللبناني وإعلان دولته الكبرى التي أطلقها الجنرال الفرنسي غورو سنة /١٩٢٠ وكان هو الحاكم بأمره في لبنان حيث كان من غنائم فرنسا بموجب سايكس بيكو ، وتم إسقاط النظام والقوانين المعربة عن النظام الفرنسي بفارق التوزيعات المصلحية بين الأتباع خاصة وأن المجتمع اللبناني يتشكل من طوائف ومذاهب مختلفة في الفكر والتقاليد أدى ذلك للتمايز والتمييز لمن هم مقربون في الفكر ثم بالتقاليد ثم بالتبعية التي أفضت جميعها الى التقسيم والمحاصصات في المناصب والمراكز للرئآسات والوزارات والإدارات والوظائف وحتى في التوزيعات للرتب وقيادات الأجهزة الأمنية ، وفي توزيعات الغرف ورئآسات المحاكم القضائية، كما إرتسمت على باقي الشؤون الرسمية في المصالح والمؤسسات والبلديات والمشاريع والمساعدات الإنشائية والإنمائية والإجتماعية وحتى النهب والسرقات منها كانت وفق منظومة الفساد بالكوتا والنسب ، ومن هنا برزت مقولة : (ما لنا ، لنا وحدنا ، وما لكم… لنا ولكم ….إلخ …
هذه المكونات التنظيمية والإدارية والتوظيفيةوالمحاصصية ، أزكت نار التباغض والحقد والكراهية ، الناتجة عن التمايز والتمييز ، خاصةً وأنها ملوثة بألوان طائفية ومذهبية ، يزاد عليها الفئوية والحزبية ، ويضاف أيضاً من هُم من الأزلام والأنصار والمحاسيب بالموالاة ، ومَن هُم مِن المشاكسين والمنافسين بالمعارضة ، وكل ذلك بات عرفاً لدى كل من يدخل عالم السياسة اللبنانية ، منذ ما قبل ما يسمى الإستقلال وبعده عبر كل العهود التي تعاقبت على الحكم والسلطة والتي زادت مفاعيلها من بعد مؤتمر الطائف حيث تكرست السلطة بثلاثة رؤوس رئآسية ، وبضعة تيارات حزبية ، وعدد من الكتل البرلمانية معكوسة عليها تتوزع المغانم في اللجان والوزارات والإدارات…
والعهد الجديد القوي على شعبه والضعيف أمام المتربصين به ، قد زاد الطين بلّة ، وقد أعطى المشهد الذي يقع تحت العنوان : (عديم ووقع بسلّة تين) ، وقد وجد ربَّانه ومساعديه بأنه وجب ألا يفوتهم قطار المصالح والغنائم ، خاصة أن فرصة وجودهم في عرين القصر من بعد تسويات إحتيالية ،وإتفاقات جانبية ، وعقود فئوية ، وقد بانت ملامحها في الصفقات التجارية والمالية ، في المشاريع الكهربائية والمائية ، وفي العديد من المصالح الرسمية والبلدية ، حتى دخلت السوسة الى عمق المؤسسات ، وباتت تنخر بها نهباً وسرقة وفساداً ، لتسقط الواحدة تلو الأخرى ، فتتقوض أركانها وأساساتها النظامية والحيوية لتنهار أحصنتها وتتكسر شوكتها أمام من ينتظر موتها ، ليرثها ويبني عليها دولته الواعدة ، أونظام الدويلات الموعود … ضمن خارطة الطريق المعهود … الذي رسمته أيدي اليهود …. وفق تعاليم التلمود … حيث سيعلن باليوم الموعود … فليس لهم إلا الصدود … والصبر والإعداد والصمود … وبالعمل الصادق لا بالوعود … لنعيد الدولة والوطن كما أيام الجدود … ونمسح منها آفات العهود …
نعود إلى الأمن والقضاء بشكل عام ، حيث وجدت لأجل الحفاظ والحماية التي تصون الدولة ومؤسساتها ، فكيف بلبنان حيث سلكت طريق المحاصصات والتوزيعات الطائفية والمذهبية والفئوية ، لنجد معها التجاذبات والصراعات على إثبات الوجود وتمتين مراكز القوى وشد أزر الفاسدين بدل القصاص منهم خاصة مع من يتولى الهيمنة والتسلط على رقاب العباد ، بخطف مسيرة البلاد ، وإستخدام المتاريس المحصنة بالأمن ، لمواجهة القضاء المكشوف بالتبعية ، ليبقى الوطن ، منبطحاً على البطن ، حتى لا يكون الرأس مرفوعاً ، ولا يكون الجسد مدفوعاً ، لئلا يحقق التغيير ، وليبقى في حضن التجيير ، ويغوص في جب التعتير ، ليواصل خط المسير ، كما البهائم والبعير ، الى أسوأ حال من المصير …
العيون شاخصة الى الحصن الأخير ، الذي يجسد سياج الوطن على الحدود ، ويخط في الداخل سيادة الدولة بالوجود ، وهو يشمخ بالعز والإباء ، ويكرس الشرف والتضحية والوفاء ، ويُخرج الوطن ومواطنيه من العزاء ، الى البطولة المغلفة بالبهاء ، وليبقى وحده بصدّ الأعداء ، بالبحر والبر والسماء …
هل نشهد لبنان خارج خارطة الطريق ، وبعيداً عن الصراع الإقليمي والدولي بحياد شامل ، أم يغرق في دوامة الشرق الأوسط الجديد ، لنعود الى النار والحديد ، وإستعراض العدة والعديد ، ليدوم التصويب على الأمن والقضاء كما يريد ، وبإستخدام الرأس العنيد ، للوصول الى الهدف السعيد ، بدوام الحكم والتمديد ، ولو بإمتعاض الداني والبعيد ، وليبقى التقويض وليس التسديد ، لإدخال الأمن والقضاء بالحصيد ، وخطر ذلك عن الجيش ليس ببعيد ، ولكن : أنت تريد وأنا أريد ، والله يفعل ما يريد …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى