المقالات

الغضب الفلسطيني- بقلم: محمد السهلي

الحالة الفلسطينية بكاملها معنية بالتفاعل مع ما يجري في أراضي الـ 48، من خلال التضامن السياسي والجماهيري والعمل الدؤوب للضغط على سلطات الاحتلال كي تتوقف عن سياسة التمييز والتهميش
هبت الجماهير الفلسطينية في أراضي الـ 48 في مواجهة قانون «برافر ـ بيغن» العنصري، وعمت الإضرابات والتظاهرات الغاضبة معظم التجمعات والقرى والبلدات الفلسطينية، تنفيذا لقرار «هيئة المتابعة العليا للجماهير العربية» في إسرائيل.
قبل ذلك، خاض النواب العرب في الكنيست معركة حامية الوطيس مع مؤيدي مشروع القانون الذي أجيز بالقراءة الأولى في حزيران /يونيو الماضي، وقام عدد من النواب بتمزيق نسخ من مشروع القرار تعبيرا عن رفضهم مجرد الخوض في نقاشه لما يحمله نص التقرير من تشريع لاقتلاع فلسطينيي النقب من قراهم وتجمعاتهم السكنية لصالح مشاريع سياحية تقوم على أنقاضهم.
هي قضية الأرض مجددا، ينهض الفلسطينيون للدفاع عنها في جولة جديدة من الصراع المديد مع السياسات التوسعية الصهيونية التي لا تتوقف عجلتها إن كان في الأراضي المحتلة عام 67، أو تلك التي سلبت في العام 48 وشرد معظم أصحابها.
يشرعن قانون «برافر ـ بيغن» تهجير نحو 40 الف فلسطيني من سكان القرى العربية البدوية في النقب وهدم وتدمير قراهم ضمن مخطط مرسوم لاقتلاعهم من أرضهم. ويؤدي تنفيذ هذا المخطط إلى مصادرة 800 ألف دونم، تمثل 90% مما تبقي في أيدي الفلسطينيين من أراضيهم في النقب. وينص مشروع القانون على تحديد وتقليص المنطقة التي سيتم منح عرب النقب أراض بديلة فيها.. هذا إذا اعترفت سلطات الاحتلال بملكيتهم للأرض.
كما يؤدي تنفيذ المخطط إلى تفكيك النسيج السكاني العربي / البدوي، سيتم حشر أكبر عدد من البدو في أقل مساحة من الأرض؛ وفرض نظام حياة اجتماعي واقتصادي مختلف تماما عما تعودوه ونشأوا في ظله.. وهذا بحد ذاته انتهاك فظ لأبسط حقوق الإنسان.
مشروع القانون يحدد فترة ثلاث سنوات من أجل عملية «تسوية» لمسألة الملكية، وفي ختام هذه الفترة يتم تسجيل كل الأراضي التي لم «يتعاون» فيها أصحابها مع سلطات الاحتلال لإتمام هذه العملية، باسم «الدولة».
ينطلق واضعو مشروع القانون من «الثوابت» الصهيونية الآتية:
•    عدم الاعتراف بالحقوق التاريخية للفلسطينيين عموما ولعرب النقب على وجه الخصوص في أرضهم وملكيتهم لها، ويتجاهل حقيقة وجود هذه القرى والبلدات وأهلها قبل الهجمة الصهيونية على فلسطين وقيام دولة إسرائيل.
•    على ذلك، يلجأ واضعو مشروع القانون لسلسلة من الخطوات المتعاقبة والمتزامنة وتشريعها بقرارات من الكنيست بما يخص آليات عملية «تسوية» ملكية الأراضي وحيثياتها، وترتيب مخططات هيكلية جديدة تشرف عليها أطر مؤسساتية وطواقم إدارية مستحدثة.
•    يتعامل واضعو مشروع القانون مع ما جرى إبان النكبة الفلسطينية بأنه «حدث» لم يستكمل، وإن التجمعات الفلسطينية تشكل عائقا جديا أمام مواصلة تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين، وهذا يذكرنا بتصريحات رؤساء وزراء عدة في إسرائيل من بينهم أرئيل شارون الذي قال بأن حرب 48 لم تنته فصولها، بما يعني أن النكبة الفلسطينية مأساة مفتوحة على الفلسطينيين الذين تمكنوا من البقاء في ديارهم وممتلكاتهم منذ ذلك الوقت.
•    وقبل الحديث في مشروع قانون برافر، لجأت سلطات الاحتلال إلى سياسة منهجية تعمدت من خلالها إهمال عرب النقب منذ عشرات السنين، واعتبر ت قراهم وتجمعاتهم «غير شرعية» ووضعتهم منذ ذلك الوقت ضمن قائمة التهجير والاقتلاع.
وعلى الرغم من أن قضية عرب النقب، ومثلهم من باقي الفلسطينيين الذين يتعرضون لهذه السياسات، تستدرج حكما تطبيق القانون الدولي الذي يكفل حمايتهم، إلا أن القضية في جوهرها قضية سياسية من الدرجة الأولى.
ما حصل في سياق وضع مشروع القانون المذكور، وردات الفعل الفلسطينية الغاضبة التي لم تنحصر في النقب، تطرح مجددا على أجندة العمل السياسي العربي في إسرائيل أسئلة كبرى ومهمات بحجمها، وخاصة أن أراضي الـ 48 كانت مهد يوم الأرض العظيم في هبتها الشهيرة عام 1976.
لقد طرح عدد من القوى والأحزاب العربية في أراضي الـ 48 تساؤلات مشروعة عن ماهية العمل السياسي المستقبلي من أجل حماية مستقبل الفلسطينيين في ديارهم وممتلكاتهم، وفيما إذا سينتقل العمل السياسي إلى الشارع مجددا بعد انكشاف التواطؤ المتواصل الذي يقوم به الكنيست بمعظم أحزابه الصهيونية.
يعاني الفلسطينيون في أراضي الـ 48 من سياسات التمييز والتهميش، وإلى جانب ذلك تستمر المحاولات الصهيونية لنهب ما تبقى لديهم من أراض وتسخيرها في خدمة الاستيطان واستقدام المهاجرين، وإجبار أصحاب الأرض على العيش بمناطق ضيقة ومعزولة ومهمشة.
وبالتالي، فإن الإضرابات والاحتجاجات التي اشتعلت يوم 15 تموز /يوليو الجاري، إنما هي تعير عن الاحتقان المتراكم لدى الفلسطينيين الذين يتابعون يوميا فصول إقصائهم وعزلهم.. وتهميشهم..
إن الحالة الفلسطينية بكاملها معنية بالتفاعل مع ما يجري في أراضي الـ 48، من خلال التضامن السياسي والجماهيري والعمل الدؤوب للضغط على سلطات الاحتلال كي تتوقف عن سياسة التمييز والتهميش التي تمارسها بحق الفلسطينيين في بلادهم.
في أراضي الـ 48، كما في الضفة الفلسطينية، تندفع السياسة التوسعية الصهيونية على حساب الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، ومواجهتها هو الخيار الوحيد كي يتقدم العمل الوطني باتجاه تجسيد هذه الحقوق بالعودة والاستقلال الوطني الناجز.
الصورة:
في مواجهة «برافر».. يوم الأرض المتجدد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى