فلسطين

أين حركة فتح؟ بين الأخطاء والتغيير \ بكر أبوبكر

في خضم المعركة فإن كل الجهود يجب أن تصب لتحقيق الهدف، وليترك حساب القيادات المقصرة -وهي كثيرة بأكثر من اتجاه- لما يلحق، فالجماهير لا تنسي. ومن واجبها أن تشير بأصبع الاتهام لمن تشاء بالتقصير ومحاسبته نعم وهذا حقها بمجرد انفراج الأزمة، وصدّ العدوان والنصر بإذن الله.

هناك أخطاء ثلاثة كبيرة في النظر لحركة فتح نصححها كالتالي:

أولها: أن حركة فتح ليست السلطة الوطنية الفلسطينية مطلقًا، حتى وإن كان كثير من قياداتها يديرون عدد من مفاصلها، وهنا وجب التصحيح أن حركة فتح هي بالبرنامج (مشتملًا الفكرالأصيل والقيم والهوية الوطنية) والنظام الداخلي والمرجعية. فلن تكون السلطة أولاحقا الدولة الديمقراطية هي الحركة مهما كان يتمثل فيها العدد من أبناء الحركة أوالفصائل الأخرى.

الخطأ الثاني: لا يمكن أن نفهم الاستغلال للموقع -ما نراه من بعض السلطويين أوالمستبدين أوالمديرين السفهاء أو المتنمرين حتى لو كانوا من أبناء الحركة- أنه يمثل الحركة بتاتًا، بل يمثلهم هم أنفسهم فلا مناخ أو تعبئة أو فكر أو ثقافة بالحركة تدعو لذلك، أو تمنح حق الاستئثار أو الاستفراد أو الاستبداد أو الفساد، وإنما هي الطبيعة الانسانية المزعجة -والمناخ الداعم- التي علينا مقاومتها من جهة، وفصلها عن الحركة.

أما الخطأ الثالث: فهو التعميم مقابل التخصيص بمعنى أن أي خطأ يأتي من كادر حركي أو حتى لجنة أو إطار أو شلة يصبح عند بعض الجمهور وكأنه سِمة لازمة للحركة. فكأنك تتهم القرية الفلانية أو المخيم الفلاني أو المدينة الفلانية بالفاسدين من أبنائها! فلا تخرج الا وأنت تتهم الجميع. وهذا خطر في طريقة التفكير فالخطأ معلق بعنق صاحبه، ويحب أن يحاسب وإن جاء الخطأ من مجمل الإطار (بالقرار أو التنفيذ) نعم يجب أن يحاسب أيضًا في مساحته.

أين حركة فتح؟

أولًا: إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني الفكرة والثقافة والمضمون النضالي والعروبي الحضاري الذي جعل فلسطين، والقضية الفلسطينية عنوان الدنيا مازالت بك أنت أيها الساطع تلبس هذا الثوب فلا تبتعد كثيرًا ولا تتوه حين الازمات.

إن حركة فتح التي أعادت بعث الشخصية (المتعلمة العاملة الثائرة)، والكيانية الفلسطينية والهوية الوطنية، والفكرة النضالية ، حطمت كل محاولات العرب الاختزالية بصهر هذه الكيانية أو إلغائها.

حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح جعلت كافة الفصائل على إطلاقها، نعم على إطلاقها، تسير في ركاب هذه الفكرة الوطنية والنضالية والحضارية، ولا فخر للحركة في ذلك بل لدماء الشهداء الأبطال، وللعقلية الاستيعابية للتنوع من أجل فلسطين.

إن الفخر الفلسطيني والحركي يرجع لمناخ الحركة الداخلي الواسع (واحيانًا لحد الفوضى نعم) في حراكات الفكر والثقافة والقيم الحضارية ذات الامتداد الحضاري العربي الإسلامي بالاسهامات المسيحية المشرقية.

ببساطة فإن حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح، الكيانية، فتح الفكرة الوطنية، فتح الوحدة الوطنية، فتح التي خُلقت فقط لتحرير فلسطين، هي من جعلت كل الناس يحملون هذه البوصلة. إنها فتح الوسطية في الفكر، والديمقراطية والاعتدال بالحوار، وهو النهج الذي أصبح ملازمًا لغالب الفصائل والشارع الفلسطيني دون أن يدرك ربما أنه استقاه من مسيرة وثقافة ورحابة هذه الحركة شاء أم تعامى.

ثانيًا: إن ربط البعض حركة فتح بالشخوص وليس بالفكرة الملهمة وثقافة العطاء والمبادرة والوطنية والبوصلة فلسطين هو خطأ يتكرر، وربط ليس ضروري. ما لم يرده الشيخ محمد عبده (أي هذا الربط)عندما دخل باريس وتأمل النظام والترتيب والقوانين ثم قال رأيت الإسلام ولم أرى المسلمين أو قادتهم كما نقل عنه.

إن الفكرة نعم تحتاج لذوي أكتاف صلبة لتقوم، فإن خارت في مرحلة فلا يعني سقوط الفكرة وإنما سقوط الأشخاص.

إن حركة فتح بهذه المعاني ليست للأراذل ممن نراهم يتسلقون على جدرانها يوميًا.

فلا تربط أبدًا الفكرة بأشخاص مقصرين. فأنت قرين الفكرة ومن واجبك حملها حتى لو كان القائد منتكسًا.

نعم هناك لدى هؤلاء المنتكسين كثير تقصير لا يجب السكوت عنه. وليكن للمؤطرين في التنظيم السياسي أن يجعلوا من المؤتمرات يوم الحساب، فلا يصمتون حين يجد الجد. أوليزيحوهم من الطريق الآن، إن عرفوا كيف يوحدون قواهم المنظمة.

ثالثًا: فتح عقلية اللطم والشكوى والانفعال المنفلت واللوم والنعي لا أعرفها، ولا يجب أن نعرفها مطلقًا فهي من آثار الضعفاء والمنهزمين نفسيًا عامة، بل والمقصرين الذين يتهربون من مسؤولياتهم سواء الفردية أو الجماعية ليعتنقوا مبدأ الشماعة أي اتهام الآخر، فالآخر أو القائد دومًا مخطيء وأنا على حق وإن لم أفعل شيئًا.

فتح لا يجب أن تحتضن عقليات الغروب.

بل يجب أن تكون دومًا مع عقليات الشروق والإيجابية والتي تظهر في أصعب الاوقات والأزمات. لماذا؟ لأن حركة فتح حركة المبادرة التي أزعجت الآخرين -سواء المبادرة الفردية أو الجماعية- فأنت مسؤول وحجم مسؤليتك مهما صغر هو كبير أمام ضميرك وأمام فلسطين وقبل كل ذلك امام الله سبحانه وتعالى غايتك الأسمى.

رابعًا: فلسطين أم الفصيل؟ إنه السؤال الذي لا يجب أن يجابه الكادر الفتحوي لأن فلسطين أولًا بلا شك. وبذلك كانت الفاء أول اسم بكلمة فتح، ومن هنا فإن فلسطين تنظر لنا، وتسجل خطوات فعل كل واحد فينا لايهمها الشتامين واللطامين والسلبيين بتاتًا.

كما أن فلسطين تمقت التعصب الفصائلي أو الحزبي أو التنظيمي ما تراه في تنظيمات أخرى، وعند البعض الفاسد والمنتكس والمتسلق بالحركة.

إن العقلية الوطنية المرحابة والمشرقة تعتبر أن أي تقدم أو نجاح أو انتصار من أي فصيل تجاه فلسطين العربية، هو نجاحها كوطنية فلسطينية وحضارية فلسطينية عربية، وديمقراطية فلسطينية، ووسطية فلسطينية وكيانية فلسطينية ما أصبحت علامة لازمة لحركة فتح، ونقلتها للجميع.

خامسًا: أنا خادم الشعب هكذا هي فتح ، التي لم تميز بتاريخها بين أبناء الشعب الفلسطيني بل كانت منصفة، لذلك حفلت بالعظماء، كما وجد المرتكسين والضعفاء والذابلين ما هو سياق المجتمع بطرفيه حيث النهضوي وحيث المنهزم الذاتي.

لقد كانت جماهيرية الحركة على حساب نخبويتها وطليعيتها لأسباب عديدة من ضمنها ضعف بنائها الداخلي ووهن أطرها وضعف التثقيف الفكري الثقيل كما حال البعض الآخر، بل وضعف قياداتها حيث وجب إظهار الصلابة والثقة والشموخ.

إن حركة فتح كما قال الشيخ هاني فحص هي “بنت فلسطين وهي أم فلسطين وهي شبه فلسطين ولا أريد لهذا الشبه أن يتناقص”، فهي ليست للمرتكسين او المنتكسين، هي أنت إن اشرقت، وهي تعافك إن لطمت ولم تفعل لفلسطين شيئًا من موقعك أي كان. او إن لم تقف ضد الظلم الخارجي، بل والداخلي في أطرها، وضد المنهزمين فيها، فلا تخذلوها حين يجد الجد.

إن واجبي أمام الله سبحانه وتعالى وأمام نفسي وأمام فلسطين ومن خلال القناة (التنظيمية) المناسبة أن اخوض الصراع بلا هوادة، وأن أخوض مدخل الاصلاح أو التغيير، وفي كثير من المراحل قد يكون التغيير أفضل ولربما نحو ذلك نحن متجهون بإذن الله والله أكبر والنصر للمؤمنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى