الأخبار اللبنانية

..نقلا عن جريدة الاخبار اللبنانية – الآتي أعظم على الشمال؟

 

انتهت الجولة الرابعة من معارك التبانة ــ جبل محسن، إلا أن القلق لا يزال مسيطراً، وتأتي السيناريوات من خارج لبنان، من دمشق والرياض، متحدثة عن أيام أسوأ قد تصيب الشمال، فيما يقول سياسي شمالي

: «يلازمني شعور بأنني سأصحو ذات يوم فأرى الدبابات السورية في ساحة النور مجدّداً»

 

فداء عيتاني
ضرب رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط على أوهن نقاط ضعف السنّة، حين أشار إلى الشمال، وسأل عن المرافق الإنتاجية التي يمكنها أن تفتح باب التوظيفات وتنشّط الحركة الاقتصادية والإنتاجية في عاصمة الشمال: المرفأ ومعرض رشيد كرامي الدولي.
يرسم جنبلاط علامات الرعب على وجوه قادة تيار المستقبل. وبحسب من يقرأ ويتابع وينشط في الشمال، بنى تيار المستقبل مجده الانتخابي ومدّه البشري في الضنية وعكار وطرابلس على فقر السكان وانعدام الوظائف، فاجتذبهم بماكينات انتخابية كانت ترمي الفتات للعامّة، ليحظى من يديرها بالسمن والعسل. كما راح التيار يوظّف الشبّان في شركات الأمن التي أسسها. وها هو جنبلاط، الذي كان يطمح إلى أن يكون ناصحاً لزعيم تيار المستقبل سعد الحريري، يشير ببساطة إلى مرافق التنمية في منطقة تتجرع من الاشتباكات عصير المزيد من الفقر.
ليس الرعب الذي يرسمه جنبلاط هو الأشد حرارة، ولا الذعر من تضخيم حجم القوى الجهادية السلفية في الشمال وفي معارك باب التبانة وجبل محسن هو الأكبر. ثمة من يعود من العاصمة السورية بسيناريوات تبدو من خارج السياق الدولي والإقليمي، إلا أنها تتطابق مع ما يجري إلى اليوم.
ففي حين تشير المصادر المحلية إلى وجود قرار جدّي بإنهاء الاشتباكات، اتُّخذ لدى أكثر من طرف محلّي، من رئيس الجمهورية إلى تيار المستقبل، مروراً بالعديد من القوى الأمنية، فإنّ مصادر أخرى تؤكّد ضلوع أحد قادة الأجهزة في إحياء الاشتباكات كلّما توقّفت. أمّا زوار دمشق، فيشيرون إلى قلقها من استمرار الاشتباكات واتّخاذ المعركة أشكالاً متعدّدة. ويضيف زوّارها أن محاولات متعددة الشكل ستحصل لنزع سلاح الحزب العربي، وتجريد المناطق العلوية من كل أنواع الأسلحة، وأن الاشتباكات ستؤدي إلى سقوط العديد من القتلى على أيدي القوى السلفية التي سيثير تطوّر وضعها الحالي اهتماماً غربيّاً. وتقع معظم هذه الحوادث في مناطق محاذية للحدود السوريّة. كما أن ثمة خشية من تكرار معارك البقاع بين السنّة والشيعة، والتي سيجري التركيز على دور السلفيين فيها أيضاً، مما سيدفع إلى «استدراج» الجيش السوري للتدخل، وهو ما ترفضه دمشق، على ما يقول زوار سوريا، إلا إذا توافر طلب دولي ولبناني، وهذه المرة صريح العلنية لا بإشارات ملتبسة، وبأغطية ظاهرة لا غير مباشرة.
وفي سياق تأكيد هذه المعطيات، تشير قوى معارضة في منطقة الشمال إلى أن مجموعات موالية باتت تخزّن مدفعية في بساتين قرب وادي نهر أبو علي، كما حصل الطرفان المتنازعان على كميات من الصواريخ. ووضعت خطط لتنفيذ عمليات اغتيال لقادة ميدانيين في منطقة باب التبانة، وخاصة ما يعرف بأعضاء مجموعة الثمانية التي كانت تحيط بالقائد المحلّي خليل عكاوي الذي اغتيل في الثمانينيات.
عقب معارك بيروت التي اندلعت في السابع من أيار، قال أحد كبار المسؤولين في تيار المستقبل: «إن لم ترغبوا في مفاوضتنا، فما عليكم إلا أن تفاوضوا أسامة بن لادن». ولم يمض وقت طويل حتى بدأت وسائل الإعلام بتضخيم دور السلفيين في معارك واشتباكات متفرقة ما بين البقاع والشمال. هذا التضخيم هو ما يشكو منه العديد من القادة المحليين في الشمال. ويتحدّث شيخ قراء طرابلس عن «سلفيّين وسلفيّين»، مشيراً إلى أن الكثرة الغالبة من السلفيين لم تشارك في المعارك. أحد القادة الميدانيين في التبانة يسأل عن الهدف من استمرار الاشتباكات، بينما الكل يتفق على التهدئة، ويحار في محاولة الإجابة عن دور القوى السلفية، مؤكداً أن هذه القوى تنتشر عند أطراف باب التبانة، وأنها في ذروة الاشتباكات نصبت نقاطاً لها خارج باب التبانة، كما تجوّلت بمظاهر مسلحة في أبو سمرا وبعض المناطق البعيدة، وأن أبناء التبانة لا علاقة لهم عملياً بالتيار السلفي.
يقول قادمون من الشمال ومحيطون بالمناطق التي تدور فيها الاشتباكات إن هناك من أصبح محسوباً على التيّار السلفي يشتري اليوم أيّ نوع من السلاح «ولو كان رسماً لبندقية»، وإنّ مجموعات قتاليّة إسلاميّة وصلت ليلاً إلى إحدى النقاط القريبة من جبل محسن، حيث تولّت إطلاق النار في «مناورة بالذخيرة الحيّة» ممّا فتح الجولة الثالثة من المعارك، رغم أن الفصيل الذي تنتمي إليه هذه المجموعات لم يشارك علناً في الاشتباكات.
أصبح الوضع في المنطقة أكثر تشابكاً من أن يحيط به مسؤول واحد، أو جهة واحدة. الحزب العربي في جبل محسن ينسّق عملياته بمفرده، بينما تخضع العمليات في باب التبانة لأكثر من 10 غرف عمليات، بعضها لم يشارك إلا لإبعاد شبح سيطرة المستقبل، وكذلك لإبعاد داعي الإسلام الشهال وخالد الضاهر وكنعان ناجي وغيرهم ممن يعدّون من رموز السلفية وتيار المستقبل بعدما تحولت قواه من قيادة أفواج طرابلس إلى قيادة ناجي والضاهر. أضف إلى ذلك أنّ بعض القوى شاركت لأن شبانها انخرطوا قبلها في المعارك. ولكن الكل يسأل «ما دام التوافق يسود في بيروت، بما في ذلك ملفات سوريا وإيران، فلماذا نتذابح هنا؟».
جنبلاط، من ناحيته، لم يكتف بالحديث عن «الانتقام لما حصل في بيروت»، بل ذهب أبعد نحو الحديث عن حياة الناس، وهو أكثر من يعلم أن ثمة اتجاهين في تيار المستقبل. الأوّل يؤيّد التهدئة وتبريد الجبهات في الشمال، مدركاً أن ما حصل في الشمال منذ السابع من أيار حتى اليوم هو «نكبة» حقيقية، وأن نمو عصابات الشوارع يمكن أن يخرج عن كل قيد ويتحول إلى قوى تنفيذية لعمليات أمنية عشوائية. أمّا الاتجاه الآخر، فيرى أن الخسارة اليوم هي في توقّف الاشتباكات، لأنه سينعكس سلباً على نتائج الانتخابات النيابية المقبلة.
وعن الدور السعودي، تروّج في الشمال شائعات إضافية، يتلقّفها علماء دين وسياسيّون، تتحدث عن انقسام في الرأي داخل المملكة. ففيما تتواتر معلومات عن إرادة المملكة بمتابعة دعمها لما زرعته خلال الأعوام الأخيرة حتّى «ولو استلزم ذلك التضحية بأرباح سنة نفطية»، بحسب ما يقول أحد كبار القادة السعوديين أمام موالين لبنانيين، فإن هناك من يشير إلى أن انقسام القوى السلفية في الشمال هو نتيجة لاختلاف الرأي لدى مموّليهم.
ويطرح متابعون للملف السلفي تقييمات متفاوتة. فعلى مستوى المعلومات، يؤكد هؤلاء أن السلفيين الجهاديين في شمال لبنان عادوا إلى النشاط، رغم أن معركة نهر البارد «قصمت ظهر التيار السلفي الذي لم يناصر إخوته»، بحسب أحد المتابعين عن كثب. وإن كانت عودتهم اليوم إلى العمل تحت شعارات وتنظيمات وجمعيات علنية، فإنها لا تقع كلها ضمن علانية هذه المجموعات، بل ثمة من يتخذ من هذه التركيبات السلفية ستاراً لما هو أعمق وأكثر بعداً من عمليات عسكرية في باب التبانة. إلا أن من يقدم المعلومات يضيف أنه من الصعب تقدير المدى الذي بلغه التمدد السلفي الجهادي في الشمال، أو ما هي ارتباطاته الخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى