فلسطين

“التحييد” و”أبناء العمومة” وحرب المصطلحات! \ بكر أبوبكر

حينما تتواجه الخصوم أو الأعداء فإن عملية المواجهة وكسب المعركة تستدعي اتخاذ كافة التدابير للفوز وتحقيق النصر.

 ومن التدابير المعروفة للمواجهة حُسن الإعداد للقدرات البشرية وبالبرنامج وتحديد السُبُل، والتمتين للطاقات سواء المادية أو اللوجستية.

 من حسن تدبير الأمور للمواجهة الإكثار في كسب الأصدقاء، وتحييد ما تستطيع من أعداء أومناصرين للخصم أو العدو.

 كما تبرز القنوات الدبلوماسية الرسمية وتلك غير الرسمية (الدبلوماسية الناعمة، والدبلوماسية الرقمية، والدبلوماسية الثقافية) كمجال أصبح مفتوحا للحرب أو الصراع ناهيك عن الاعلام التقليدي والإعلام الالكتروني.

 تختلط في الاعلام الإلكتروني اليوم الدعاية والاعلان والترويج بالأعلام، من حيث توهان المصداقية بين مخالب الأكاذيب المرتبطة بالدعاية والحرب النفسية التي تدخل كل بيت! ما يلزم كل شخص أن يحصّن نفسه بالمرجعية الصلبة والقدرة على الفرز للغث المتكاثر، والا فإنه سينهار تحت سيل الأكاذيب المتكررة بأشكال متعددة ووجوه متقلبة، ولكن بإصرار عجيب لجعل الزيف حقيقة.

تستعين الدول والمنظمات إضافة لما سبق في حربها او صراعها ضد الآخر بقاموس من المصطلحات (والمسميات ذات الدلالة والربط والقصد) تعمل على تكريسه ثم تقديسه خاصة بعد ثبوت نشره فلا يستطيع أحد أن يتجاوز المصطلح أو الاسم الجديد الا بصعوبة.

في العام 1949 شكل “بن غوريون” لجنة خاصة في فلسطين لتغيير الأسماء والمسميات المختلفة لكل شيء في فلسطين من جبال ووهاد وسهول وخِرَب ومنعطفات وتلال ووديان ومناطق مأهولة او غير مأهولة سواء بالقرى والمدن أو في المسطحات المائية أو في رمال صحراء النقب الى أن باتت اليوم تلك المصطلحات والمسميات المغلوطة والمنسوبة قسرًا للتوراة وكأنها حقيقة هذه الأرض، وهنا تبرز أهمية الرواية والمصطلح الذي تنبهت له الحركة الصهيونية.

حرب الرواية تشتمل على سردية للأحداث التاريخية -تعمل الدول أو الجماعات الضعيفة بمنطقها وبالعلم وبالحجة الحقيقية- تعمل على حمايتها بالقوة وبمحاولة إيجاد الحجج والذرائع المختلفة لأثبات صحتها، حتى ولو بالكذب والتزييف كما هو حاصل في بلادنا.

وحين تفشل الذرائع والزيف أن ينطلي على أحد تكون القوة العسكرية، والقوة القانونية، والتشريعية، والإرهاب الفكري المحلي والعالمي هو السلاح الفتاك تماما كما تفعل الحركة الصهيونية منذ ما قبل احتلال فلسطين، وما تفعله الحكومات الإسرائيلية المنقلبة على نفسها من العلمانية الى الدينية اليوم.

لم تكتفِ السلطات الإسرائيلية بمحو أو إخفاء وحجب أسماء القرى والمناطق والمواقع الفلسطينية المختلفة عن أعين الناظر عندما ينطلق بسيارته من نابلس الى رام الله او من بيت لحم الى الخليل وهكذا في كل منعطف وطريق وجادة. بل وحيث اضطر لاستخدام المصطلح العربي الفلسطيني بالحد الأدنى يحوّره بلفظه العبري!

 لم يكتفِ الإسرائيلي بذلك فكانت معظم المستعمرات (المستوطنات) تستعير الأسماء العربية-الكنعانية القديمة بكل وضوح لتكون في 90% منها وفق هذه التسميات الفلسطينية القديمة التي تروج في العالم أنها عبرية قديمة ما هو خارج نطاق الحقيقة.

تواصل الحكومة الإسرائيلية في غرس معالم ومصطلحات أخرى لا قيمة لها علميًا ولا آثاريًا حتى في قلب الضفة الغربية التي تسميها (يهودا والسامرة) لتحقيق الربط الذهني والنفسي، بتاريخ انقضى ومات، وشبع موتًا لقبائل بائدة من أكثر من 4000 عام.

القول بالرواية والمصطلحات أنها حرب أو صراع أو مواجهة يضاف للسياسي وللعسكري والتقاني (التكنولوجي) هو حقيقة بنفس القدر الذي يقتنع جَهَلة العالم العربي بمنطق “أبناء العمومة” مع سكان فلسطين اليوم من اليهود. وهم أي يهود فلسطين الإسرائيليين اليوم بغالبهم من قوميات وجنسيات وإثنيات روسية وأوربية شرقية لاصلة لهم لا بالعرب والا بقبيلة بني إسرائيل العربية المندثرة. إن استثنينا علاقة الطائفة السامرية الكريمة، وربما بعض يهود العرب بقبائل المنطقة العربية القديمة.

إن صراع الرواية صعب، ويحتاج لمقياس وميزان. ولم تعد الكتب الدينية وعلى رأسها التوراة صالحة لتكون كتاب تاريخ فهي فقط كتاب ديني فقط. وان كان الميزان اليوم علم الآثار فلقد سقطت الرواية الإسرائيلية وبشهادة كبار العلماء الغربيين والعرب والإسرائيليين.

وان كان مقياس صدق الرواية القوة والترويج والإرهاب الفكري والديني فلقد نجحت الحركة الصهيونية والاستعمارية الاوربية في ذلك شرقًا وغربًا.

 حديثًا تبرز المصطلحات الغادرة والمتحايلة والمشحونة جنبًا الى جنب التزوير والترويع التاريخي من مثل استخدام كلمة (تحييد) عنما تقتل قوات الجيش الصهيوني او حينما يقتل مستوطن فلسطينيًا بوحشية؟ بينما هو إرهاب إن مارسه فلسطيني!؟ وتستخدم كلمة “جبل الهيكل” عن مساحة المسجد الأقصى (144 ألف متر مربع بما فيها السور) ولادليل البتة على الهيكل أو جبله؟

كما استخدام مصطلح جيش الدفاع وهو بالحقيقة جيش الحرب الدائمة، واليك عشرات المصطلحات الأخرى التي تمر مرور الكرام ويتم ترداداها بقصد أبو بلا قصد، وربما بإهمال او هبل من قبل الناس ومن قبل حتى السياسيين والإعلاميين الفلسطينيين، فما بالك بالعرب؟

صحوة مطلوبة وحذر دائم مطلوب وثقة أصيلة بالحق والعدل، وثقة بالعلم والحقائق واجبة فهذه الأرض تستحق الدفاع عنها ليس فقط من الفلسطينيين وهم بواجبهم لن يقصروا، فهم أهل الرباط والثبات والنصر، وإنما من كل أطياف هذه الأمة التي إن نسيت عامل ارتباطها وقوتها الحقيقي ستظل أمة استهلاك وذيلية الى أبد الآبدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى