البلديات

البلدياتُ بين البدايةِ والنهاية،. كتب صالح حامد. \ لبنان

كنتُ آملُ مِن رئيسَيِ الجمهورية والحكومة التنبّهُ لضرورة فصل وزارة البلديات عن وزارة الداخلية كخطوة إصلاحية، وأذكر أنّ السيدَيْن إلياس حنا وسليمان فرنجية كانا وزيرينِ للبلديات من القرن الماضي بالتسعينات.

فعملية الفصل بين الوزارتين سيساعد كلا الوزيرين على التفرّغ الذهني والنفسي للوزارة المعنية،وسينعكس نمواً على الحركة الإنتاجية،كلٌّ في مجاله واختصاصِه.

والسؤال الحالي، كيف بمقدور وزير الداخلية والبلديات أن يتابع تفاصيل الدوائر المتعددة والمهام الجسام التابعة للداخلية ! وما بين وزارة البلديات التي يتبع لها أكثر من ألف رئيس بلدية وثلاثة آلاف مختار ويزيدون؟

وللتذكير، فتاريخ تأسيس البلديات أكبر سنّاً من عمر ولادة لبنان الكبير والشرق الأوسط، فاللبنةُ الأولى بدأت بإنشاء أول بلدية في منطقة دير القمر الشوفية من العام 1846.

فالجميع يعلَم بأنّ قانون البلدياتِ يرى في رئيس البلدية رئيساً للسلطة التنفيذية والتقريرية، ومع ذلك فإنه قد أطلق عليه رصاص البيروقراطية والروتين الإداري القاتل للطموح والعزائم، إضافة إلى القيود القانونية والمالية والسياسية.

ومن هنا فإنّي أميل إلى انتخاب اللوائح المغلقة ذات التوجه والأعمار والبرنامج والرؤية والأفكار المتقاربة والموحَّدة،كلٌّ يتمتع بسيرة ذاتية حسنة من النظري والعملي بعيداً عن التأثيرات الحزبية والعائلية الفوقية، ولا شك فإنّ أي ائتلاف سياسي أو عائلي لتشكيل المجالس البلدية يَشترط سَلَفاَ تقسيم مغانم اللجان ومواردها فقد ماتَ المجلسُ مِيتَةً جاهليةً وخيمةً قبلَ أنْ يُولَد.

لكني آسف القول بأن سبعين بالمئة من البلدات الريفية والمدن من الأغلبية الإسلامية يطغى عليها التوجّه العائلي والحزبي المرذول بالعصبية المفشِّلة للإنتاج والإبداع والإنجاز.

وها نحن نرى تلك المناطق التي تحصر تدينها في الطقوس والشعائر تعبث فيها الملوثات السمعية والبصرية،وتعيثُ فساداً أفْسَدَ الحياةَ العامةِ والخاصة، تعمها الفوضى في البناء والطرقات، والافتقار للحد الأدنى من الذوقيات والهندسة والتنظيم والتخطيط والنظافة واحترام القانون، بل والعجز والكسل والجبن في إيجاد الحلول لكل أزمة طارئة وقائمة، حيث الجزء الأكبر من رؤوساء وأعضاء البلدية أمِّيون ومتخلفون، يقودون البلدية ويديرون مواردها بعقلية مافياوية تسلطية، ويرون مع مرور الوقت أن سلطة البلدية ملكية خاصة لأسرتهم مع حق التوريث للأبناء والأحفاد، ساعين إلى اغتيال معنوي وجسدي لخصومهم.

وأشير وبقناعة مدروسة إلى فضيلة إلغاء الانتخابات في البلدات الريفية، وذلك لسبب وحيد يتجلى في الفقر المدقع من الوعي والنضوج والتصحّر الثقافي لدى الناخب والمُنتَخَب، فالديمقراطية في المجتمع ذات البيئة الجاهلية والأكثر تبعية لشيخ العشيرة أو زعيم الحزب أو رائد المال والأعمال ستنتج مجلساً يُوَلّد المصائبَ والنكباتِ وضياعَ الأعمارِ والتنميةِ والإعمار،والأمثلة موثقة ومخجلة.

وأنا على يقين بأن تلك المناطق وُلِدَ من رحمها كثيرٌ من نخبٍ إداريةٍ وتقنية ومهنية وفكرية، لكنّ الزبائنية والمستفيدين وبطانة السوء لهذا أو لذاك،نجحوا في قمع النخب وإلغائها من المشهد العام بجزرة الترغيبِ وعصا الترهيب، فيما أرى البديل عن مشاركة العوام إما باقتصار حق الانتخاب على طبقة النقابات العاملة و المحدَّدة بشروط ومواصفات ضيقة، أو بتعيين رئيس البلدية عبرَ مجلس الخدمة المدنية،إلى حين ولادة جيل جديد يبعث على الأمل والتفائل، مع تعزيز سلطات الرقابة وديوان المحاسبة الخاص بوزارة البلديات.

وأختم بأن الانتخاباتِ إذا جرتْ كسابقاتها من دون تعديل جوهري لكثير من النقاط الإصلاحية، فأنا مع التمديد لمجالس الأزمات الحالية رحمةً بالسلم الأهلي القائمة على قوائم القشة التي قصمت ظهرَ البعير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

iPublish Development - Top Development Company in Lebanon
زر الذهاب إلى الأعلى