تنبه متأخر إلى لزوم وضع ضوابط كافية للنظام الإقتصادي \ أسامة إسماعيل

ينص الدستور اللبناني في مقدمته على مايلي:”النظام الإقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة”. هذا النص الدستوري لم يطلب من المشترع وضع ضوابط كافية للنظام الإقتصادي الحر أو الرأسمالي تضمن عدم وقوعه في الشطط الموصل إلى الظلم والتفاوت الإقتصاديين والفساد المالي والهدر والإثراء غير المشروع والأزمات المالية والنقدية والإقتصادية المتتالية التي تلقي أثقالها وضغوطها الشديدة على ذي الدخل المحدود والمنخفض عبر التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع الدخل الفردي وقلة فرص العمل والوظائف ذات الدخول والحوافز والظروف الجيدة.
المسؤولون والسياسيون تنبهوا متأخرين إلى ضرورة وضع ضوابط كافية لأعمال المصارف وتحويل رؤوس الأموال بالعملة الصعبة إلى الخارج وعدم الإنفاق من احتياط مصرف لبنان بالعملة الصعبة ورفع السرية المصرفية الجزئية أي رفعها عن بعض الحسابات المصرفية عند الضرورة، ولكن هذه الإصلاحات المالية الجزئية لاتكتمل بدون إصلاح النظام الديموقراطي الإنتخابي العددي الطائفي الحزبي العشائري الذي يجعل السياسة والإدارة خاضعتين للانتخابات العددية الشعبية والولاء للمذهب والطائفة ومن يسمى “الزعيم” والحزب. فمن يختار الحاكم والمسؤول والسياسي هي أكثرية شعبية عددية من هذه الطائفة أو تلك أو هذه المنطقة أو تلك لا النخبة المثقفة المستقلة، ومن يتولى الإدارة العامة ومن يعين ويوظف في الإدارات العامة هو من يتبع من يسمى “الزعيم” والحزب ويدين بالولاء للمذهب والطائفة والعشيرة، ومن يثرى ويغنى على حساب غيره هو من يستفيد من هذا الواقع. وفي المثل :”لايغنى أحد من السياسة الا إذا كان فاسدا” “.
إصلاحات مالية جزئية وغير كافية
هذه الإصلاحات المالية والنقدية لاتكتمل بدون إصلاح الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والإعلام، إصلاح يجعل النخبوي الحر المستقل محترما” وذا مكانة ودور وحاصلا”على حقوقه الطبيعية والمادية والمعنوية كاملة، فيما الواقع الحالي يجعل الجاهل والسطحي والسخيف والشعبوي والطائفي والحزبي والعشائري والوقح والإنتهازي والفاسد ذا مكانة ودور والمستفيد الأول من السياسة والإدارة والإقتصاد والمجتمع واستغلال الدين والمذهب والطائفة والأزمات.
إن أسباب الأزمات المالية والنقدية والإقتصادية والظلم والتفاوت الإقتصاديين في هذا البلد ليست إقتصادية وتقنية بحتة بل السبب الأساسي والأولي لهذه المشكلات هو الديموقراطية الإنتخابية العددية الطائفية الحزبية العشائرية وحالة القطيع الجماعي واللعبة الدولية الإقليمية ودور الكيان الإسرائيلي وحروبه المتتالية على لبنان. فمن يسبب الأزمات الإقتصادية والمالية في هذا البلد هم السياسيون والأحزاب والأثرياء التابعون لهم أو المقربون منهم وبعض الدول الكبرى ذات التاريخ الإستعماري وذات النفوذ والتأثير في هذا البلد.أما تهريب الودائع إلى الخارج والدين العام والعمليات المصرفية المشبوهة والتضخم والهدر فهي نتائج، وإذا كانت أسبابا”تقنية مباشرة للأزمة الإقتصادية النقدية المالية فهي تلحق الأسباب الأساسية والأولية المذكورة.فالنظام الإقتصادي في هذا البلد هو خادم للنظام السياسي والسياسيين والأحزاب والسلطات المذهبية الطائفية، ومابقي هو تفاصيل، فلولا ذلك لماكان هنالك غياب لضوابط كافية تمنع تهريب الودائع إلى الخارج، ولما كانت هنالك سرية مصرفية تحول دون كشف العمليات المصرفية المشبوهة وحالات الإثراء غير المشروع، ولولا ذلك لماكان هنالك هدر واستنزاف للمدخرات العامة واحتياط مصرف لبنان في النفقات غير الإستثمارية وغير المجدية وخدمة الدين العام، ولما كان هنالك فساد مالي وإداري و”واسطات” و”محسوبيات” في التعيين والتوظيف والتقديمات والمساعدات الإجتماعية، ولما كان هنالك تضخم نقدي وانهيار قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي.
يغيب دور الإعلام الذي يكشف هذه الأسباب الحقيقية والأولية، إذ أن معظم وسائل الإعلام والتواصل في هذا البلد تقصر اهتمامها على الأسباب الثانوية والتقنية للأزمات والظلم والتفاوت والتخلف الإقتصادي والإجتماعي و”تسوق” تمثيليات السياسيين والأحزاب والدول الداعمة لهم ومسرحياتهم واستجابة “الجماهير” وردات فعلهم التي تصب في خدمة مصالحهم وغاياتهم. وبعض وسائل الإعلام التي كانت تحرض “الجماهير” على المعارضة والاحتجاج والتظاهر ضد السياسيين والأحزاب والأثرياء وترفع شعار “كلن يعني كلن إثر أزمة ١٧تشرين الأول ٢٠١٩ أصبحت اليوم تروج لهؤلاء السياسيين والأحزاب والدول الداعمة لهم أنفسهم… وهذا يدل على أن الأسباب الحقيقية والأولية للأزمات والمشكلات في هذا البلد ليست آنية وتقنية واقتصادية بحتة بل الأسباب الحقيقية والأولية هي النظام الديموقراطي الإنتخابي العددي الطائفي الحزبي العشائري والتبعية للخارج وحالة القطيع الجماعي والشعبي الذي يقدم الولاء المطلق للمذهب والطائفة والسياسيين والأحزاب دون اعتراض على قراراتهم وأدائهم وسياساتهم السيئة، ودور الكيان الإسرائيلي المعادي، وغياب الضوابط الكافية للنظام الإقتصادي الرأسمالي (Capitaliste) وعدم وضوح بعض النصوص الدستورية والقانونية ونقصها ورعايتها شوائب النظام السياسي والإقتصادي وسيئاته، وتطبيق السياسيين والأحزاب من الدستور والقوانين مايتماشى مع مصالحهم وغاياتهم.
أسامة إسماعيل
Best Development Company in Lebanon
iPublish Development offers top-notch web development, social media marketing, and Instagram management services to grow your brand.
Explore iPublish Development