التحقيقات

الاستقلال الحقيقي على صعيدي الفرد والدولة وكيف يكون؟ \ 2

على صعيد الفرد، إن لم يقتصر الأمر على التأثيرات والضغوط الخارجية التي يتعرض لها بل سمح للآخرين وللمجتمع بالتدخل في أموره وشؤونه الشخصية والفكرية والعملية والمهنية وكشف أسرارها وتوجيهها بالطريقة التي تخدمهم خسر حريته واستقلاله. ولايعني استقلال الفرد وعدم تبعيته للآخرين حياده وعدم تمييزه بين الأشخاص والمجموعات وفقا”لفكره واقتناعاته ومصلحته .وكذلك لا يعني استقلال الدولة وعدم تبعيتها للدول الخارجية والمحاور الإقليمية والدولية حيادها المطلق وعدم تمييزها بين الدول والكيانات والمجموعات على أساس الفكر والاقتناعات والاستراتيجيا والمصلحة العامة.
يتأثر الاستقلال الذاتي بطبيعة النظام الاجتماعي والسياسي فيضعف هذا الاستقلال في الأنظمة الديمقراطية العددية الطائفية والحزبية التي تقوم على الأكثرية وكذلك في الأنظمة الديكتاتورية والملكية والدينية. وقبل أكثر من 2000 سنة من الآن وصف أرسطو كيف تؤثر الديمقراطية الانتخابية في حرية الفرد واستقلاله والعدالة وقال:”في الديموقراطية ان قرارات الأكثرية، يجب أن تكون هي القانون الأعلى وهي العدل المطلق. وفي الديمقراطية الحق السياسي يقوم على أساس العدد لا على أساس الأهلية. “فالانتخابات والمظاهرات لا تخدم استقلال الفرد ولا حتى استقلال الدول،وبخاصة الدول الصغيرة التي كانت مستعمرة. فالتدخلات والضغوط من قبل الآخرين على الفرد تزداد في فترات الانتخابات والمظاهرات والأزمات السياسية والاقتصادية للتأثير في رأيه واتجاهه ودفعه إلى التخلي عن حريته واستقلاله الذاتي. وكذلك تزداد التدخلات والضغوط الخارجية على الدولة في فترات الأزمات والانتخابات والمظاهرات الشعبية للتأثير في سياستها العامة ودفعها في هذا الاتجاه أو ذاك وفق لعبة المحاور الإقليمية والدولية وسباق المصالح والنفوذ. والتأثير السلبي للديموقراطية العددية في الاستقلال الذاتي والمثقف النخبوي المستقل دفع حتى بعض أنصار الديمقراطية إلى نقدها والقول” ان انحطاط الديمقراطية وصل إلى درجات غير مسبوقة ويكاد يقتصر على مجموعة ضمانات متواضعة ضد التسلط.”ومنهم من قال :”الديمقراطية تختلف عن الديكتاتورية في الدرجة لا النوع”! بعد ذلك كله ،هل ما يسمى الثورة التي حدثت في لبنان ستوصل النخبة المستقلة إلى الحكم والإدارة وستغير الواقع للأفضل؟
لا يعني عداء الفرد المستقل النخبوي للكيان الإسرائيلي ومعارضته السياسة الخارجية السيئة للدول الاستعمارية التخلي عن حريته واستقلاله الذاتي والانخراط في ما يسمى محور المقاومة والممانعة وتبني مواقفه وأفعاله في مقابل ما يسمى محور السلام أو التبعية لأحزاب معينة. وكذلك على صعيد الدولة. فالمستقل يبقى مستقلا”ولا يضع في السر والعلن إلا صورته والشعار أو العنوان الذي يعبر عنه. وبالعكس، التابع أو الحزبي وخاصة العامي والشعبوي يضع صورة المتزعم أو رئيس الحزب والشعاراو العلم الحزبي في السر والعلن.
أسامة إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى