المقالات

لبنان… إلى أين ؟-19- كتب: عبد الله خالد

خواطر في وداع العام
نودع اليوم عام 2020 ونحن غير آسفين على رحيله بعد سلسلة النكبات والكوارث والأزمات التي شهدناها خلاله والتي يبدو أنها ستستمر في العام المقبل نتيجة غياب المعالجات الجادة بفضل عدم توافق الشبكة الحاكمة المنقسمة على ذاتها نتيجة رغبة كل طرف فيها بزيادة مكاسبه وإحكام سيطرته ولو على حساب الأطراف الأخرى غير عابئ بالإنعكاسات السلبية لتلك المواقف على الأوضاع الإقتصادية والمالية والإجتماعية وصولا إلى السياسية في ظل إنقسام حاد في البلاد حول مقومات بناء الدولة رغم أننا نزعم أننا نملك حضارة وتراث تراكم عبر سبعة آلاف عام لم نستطع خلالها أن نتخذ موقفا واحدا موحدا حول الهوية وإصرار على عدم بناء دولة تتساوى فيها مكونات الوطن عبر مواطنة تحقق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع كنتيجة لرفض الآخر وعدم الإعتراف به كشريك في الوطن وليس مجرد أحد الرعايا في ظل اقتصاد ريعي يحكمه الفساد والهدر ونهب المال العام والتبعية للخارج. ورغم أننا محكومون بالأمل بغد أفضل كما يقول الصديق الراحل سعدالله ونوس إلا أننا لا نرى مؤشرات جادة له في الوضع الراهن.و
الواقع أن هذه النظرة التشاؤمية ترتكز إلى رؤيا موضوعية لحالة التشرذم للقوى المؤهلة للتغيير بعد أن إصابتها عدوى رفض الآخر.
نودع العام المشؤوم ومؤشرات استمرار الشؤم تفرض نفسها مع بداية العام الجديد. فكارثة تفجير المرفأ لم تتابع بالشكل المطلوب ومحاولات تمييعها لتقتصر على تهم الإهمال والتقصير رغم أن مرتكب الجريمة واضح كالشمس وقد تبجح علنا بإرتكابها ويسعى لتكرارها في المطار. ومحاصرة لبنان بالتجويع والعقوبات والوباء والبطالة مكشوفة الهدف بعد أن أعلنتها القوى التي حرفت مسار حراك 17 تشرين عن أهدافه الحقيقية نتيجة تشرذم قواة ووجود ال NGOs فيه وانضمام بعض أطراف السلطة إليها وغياب القيادة الموحدة والخطة الواضحة وتحوله إلى طرف في صراعات السلطة بدلا من أن يشكل البديل الموضوعي لها. والتدخل الخارجي بات واضحا في مطالبه التي تعيق تشكيل الحكومة- بالإضافة إلى العوامل الداخلية- بسبب التناحر على السلطة – وهو يعيق تشكيل الحكومة إلا بشروطه التي وافق عليها بعض أطراف السلطة وجند نفسه لتحقيقها بعد تهديده بالعقوبات الإقتصادية التي ستطاله. ومعوقات الإنقاذ وبدء مسيرة الإصلاح والتغيير كثيرة ومتعددة وتأخذ أكثر من شكل بعضها خارجي متعدد الأشكال يهدف إلى الضغط على لبنان لتطويعه وإرغامه على الرضوخ للإدارة الأمريكية وتنفيذ مطالبها وإبقائها في نطاق هيمنتها وعدم السماح لها باللجوء إلى خيارات أخرى وتتويج ذلك بفرض سلطة جديدة بعد أن استهلكت السلطة الحالية. وبعضها الآخر داخلي سببه صراع أطراف السلطة في محاولة لتعزيز أوضاعهم المستقبلية على حساب حلفائهم وخصومهم معا الأمر الذي من شأنه أن يخلق فرصا لتحالفات جديدة تهتز معها أكثر من معادلة الأمر الذي يفتح آفاق المستقبل في أكثر من اتجاه.
على الصعيد الإقتصادي والمالي ورغم كل محاولات تمييع الحلول بدءا من إفراغ كابتيل كونترول من مضامينه وإعاقة التحقيق الجنائي المالي ودور المصرف المركزي وحاكمه ودور أصحاب المصارف ومستقبل الليرة اللبنانية ومدى ارتباط إعاقة تشكيل الحكومة بهذه الملفات دون تجاهل الضغوط الخارجية لفرض الحلول التي تحمي أدواتها والمرتبطين بها.
والأمر المؤسف إن كل هذه المؤشرات على أهميتها تحصل في ظل غياب شبه كامل لمسعى جدي بإتجاه وحدة قوى التغيير ووضع خطة عمل لها تأخذ طريقها إلى التنفيذ بدلا من إنضمامها إلى الخطط السابقة. إزاء هذه النظرة الخاطفة في وداع العام المشؤوم تبدو صورة المستقبل ضبابية ومفتوحة على كل الإحتمالات.
عبدالله خالد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى