صحة وبيئة

التغيير المناخي والاقتصاد العالمي الجديد \كتب: مازن عبّود

ثمة تحديات جديدة لعالم ما بعد كورونا. ثمة أسس جديدة لاقتصاد عالمي يعاد رسمه على أسس خضراء. وسيكون لذلك تداعيات كبرى على الاقتصادات النامية عموما. فالتغيّر المناخي بحسب أستاذ الاقتصاد في جامعة ييل وليم ويليام نوردهاوس الذي يحمل جائزة نوبل للاقتصاد عن ورقته (Climate Change: The Ultimate Challenge for Economics) هو العامل الخارجي الجوهري الذي تطال تأثيراته جميع دول العالم. ولا يوجد أي بلد لديه حوافز أو قدرات كافية لحل المشكلة لوحده، وعليه فإن التنسيق العالمي يعتبر أمرا أساسيا. صار تضمين ما كان خارجا عن اكلاف الإنتاج (التلوث اجمالا وتلوث الهواء بالتحديد) في المعادلة امرا لا مفر منه. ومن هنا بدأت تتظهر اتجاهات عالمية تدعو الى الانتقال الى الإنتاج النظيف وتخفيض معدلات انبعاثات الكاربون في الهواء، وذلك عبر فرض ضرائب على الدول والصناعات توازي قيمة الضرر التي تتسبب به. مما سيعيد تسطير قواعدا جديدة سيكون لها تداعيات كبرى على الاقتصادات النامية والبلدان الاقل نموا التي ستجد نفسها عاجزة عن إيجاد التمويل اللازم لتحقيق ذلك من دون مساعدة. فتفقد قدراتها التنافسية امام شركات الدول الرائدة. مما يستوجب تعاونا دوليا على هذا الصعيد.
ضرائب يجب ان تستهدف استخدام الموارد فلا يصار الى زيادة ضرائب الدخل، لا بل الى توزيع الوفر الناتج عن تحقيق الحياد الكربوني على الناس. فالملوث هو من يسدد اكلاف الاضرار التي يتسبب بها. ولا يجب تحميل الناس اكلاف تدخل الحكومات لحل أزمات تسببت بها الشركات نتيجة استهلاكها للطاقة الاحفورية بشكل غير فعّال. وستضمن القواعد الجديدة هيمنة الأفعل والاقوى. وسيختفي من هو اقل كفاءة.
أضحت مسألة إيجاد الحلول لازمة الاحتباس الحراري مادة ساخنة على طاولة التفاوض ما بين الحلفاء والاخصام تستخدم، لتطويع هذا وضمان استدامة سطوة ذاك. فأعيد احياء علاقات الولايات المتحدة الامريكية بالقارة الهرمة لمواجهة تحديات انتقال الريادة من الغرب الى ما هو ابعد من المحيط، وبالتالي ذوبان مكاسب الحرب العالمية الثانية.
لقد تحوّل البيت الأبيض بإدارة الرئيس بايدن الى خلية هدفها وضع اسس اقتصاد عالمي جديد يرتكز على الحياد الكربوني مع حلول العام 2050. فالرئيس بايدن لن يفوت قطار العصر بل على العكس يسعى الى ضمان استدامة أدوار بلاده، وتسيير القطار وبناء نظام عالمي يتوافق مع مقاساتها ولا يتعارض مع مصالحها. وما خطوات وزيرة الخزانة جانيت يلين وتحركات كل من وزير الخارجية الامريكية انتوني بلنكن ومبعوث الرئيس الأمريكي الخاص بالمناخ جوم كيري الا ترجمة لهذا التوجه.
ثمة مسألة وجودية عنوانها الاحتباس الحراري تسطر قواعد التعاون الدوليّ ويعمل على تطويع الحلول لخدمة اقتصادات دول القرار ومصالحها. بدأت معالم الانتقال من عصر النفط الاحفوري الى عصر الطاقة المتجددة والإنتاج النظيف تتظهر، وستتظهر تباعا.
ثمة مرحلة جديدة ساهمت كورونا في تسريعها على الابواب. ومن لا يستطيع ان يكون على طاولة التفاوض سيصير حتما خارج المعادلة.
ثمة اقتصادات ستفقد ميزاتها وحيويتها وشركات ستصبح من الماضي. وفي خضم ذلك يتوجب علينا قراءة ما يجري واعادة تسطير اولوياتنا كي لا ينتهي ما تبقى من ميزاتنا وشركاتنا.
مازن عبّود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى