التحقيقات

صعوبة الاكتفاء الذاتي وسط المحسوبيات والفوضى – أسامة إسماعيل

الحل ليس عبر الانتخابات والمظاهرات والإجراءات الجزئية والمؤقتة
المال ليس هدفا”بحد ذاته. فالهدف هو تحقيق الاكتفاء المادي الذاتي لأن الاحتياج إلى الآخرين يجعل الفرد اسيرا”وتابعا” لهم، ولكن الظروف الحالية تجعل تحقيق الاكتفاء المادي الذاتي في هذا البلد صعبا”جدا”،حيث تراجع فرص العمل وتدني المداخيل والقدرة الشرائية ،وهذه المشكلات مستمرة منذ فترة طويلة ولكنها ازدادت بعد 17تشرين الأول 2019في ظل ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية واقفال مؤسسات وشركات وصرف موظفيها والعاملين فيها وازدياد الفوضى والمخالفات والمنافسة غير المشروعة.
إن صاحب العلم والاختصاص والكفاءة والثقافة الحر المستقل يجد صعوبة بالغة في تحقيق الاكتفاء المادي الذاتي فيما المدعوم والتابع والحزبي والطائفي والمتملق يحصلون على فرصة العمل والوظيفة والمدخول الجيد وان كانوا لايملكون العلم والاختصاص والكفاءة. ولكن الاكتفاء المادي الذي يحققه هؤلاء لا يسمى اكتفاء ذاتيا ” بل اكتفاء بوساطة الآخرين لأنه يتحقق عبر التبعية والمحسوبية والولاء الطائفي والحزبي والعشائري. فالاكتفاء الذاتي يلزمه الشرط المعنوي والنفسي غير المتوفر في الاكتفاء المادي عبر التبعية والمحسوبية والفوضى والمنافسة غير المشروعة والوسائل الملتوية. ولكن معايير النجاح والاكتفاء المادي والتقدير والاحترام في هذا البلد والمجتمع تخضع لمعايير ومفاهيم خاطئة ومزيفة تتعارض مع عقل الفرد المستقل النخبوي ومعاييره ومفاهيمه وإرادته. تذكر اوليفيا مالن Olivia Mullan في كتابها “توافق المال”ان المال لايشتري السعادة والحب والسلطة والحرية وتقدير الذات والأمان. المال يساوي الدولار والسنتات”ويقول المثل الأميركي :”إذا وضعت المال فوق رأسك خفضك واذا وضعته تحت قدميك رفعك”.ويقول ايمرسون:”المال يكلفنا كثيرا”من قوتنا وسعادتنا مع أنهما أغلى منه”.ولاشيء يدل على تغيير وتحسن في معايير النجاح والاكتفاء المادي والتقدير والاحترام في هذا المجتمع والبلد. فالذين يديرون الدولة والسياسة الاقتصادية والاجتماعية والإنماءية ويمسكون الشأن العام والمجتمع لايهمهم تطوير هذه المفاهيم والمعايير والواقع المرتبط بها بل تهمهم لعبة السلطة والنفوذ والحصص ومصالحهم فيفتعلون الأزمات ومسرحيات الصراعات بينهم لأجل هذه الغايات. فالنجاح والجدير بالاكتفاء المادي والتقدير والاحترام وفق مفهومهم ومعاييرهم هو من يتبع ويتملق لهم ومن يمارس “البهورة”و”التشبيح”على المستقل النخبوي عبر الاستقواء بالطائفة والحزب والعشيرة والمتزعم أو بما يسمى “ثورة “.
الأزمة الحالية تدفع باتجاه استبعاد الاكتفاء المادي الذاتي وزيادة صعوبته في هذا البلد والمجتمع وتضعف قدرة الفرد وخاصة المستقل النخبوي على تحقيق هذا الاكتفاء. فهذه الأزمة المفتعلة شجعت الحالة الشعبوية والتبعية الطائفية والحزبية والعشائرية والاستقواء بها كما شجعت حالة الفوضى والاستبداد والمنافسة غير المشروعة والربح غير المشروع مما قلل فرص تحقيق الاكتفاء المادي الذاتي أمام الفرد المستقل النخبوي. وهذا الاكتفاء لا يتحقق عبر بطاقة تمويلية وإجراءات ترقيعية ومؤقتة ولا عبر طوابير الإنتظار بل عبر إنهاء مسرحية هذه الأزمة وتخفيض الأسعار وتوفير فرص عمل ووظائف على أساس الاختصاص والكفاءة والجدارة واحترام قيمة الفرد المستقل النخبوي وخصوصياته وحقوقه. أما المظاهرات والانتخابات الشعبية فليست هي الحل ولاتغير الواقع للأفضل بل تعيد إنتاج الواقع أو تنتج واقعا”اسوا يشجع حالة الشعبوية والتبعية والولاء للطائفة والعشيرة والحزب والمتزعم والاستقواء بهم وكذلك المحسوبيات والفوضى والمنافسة غير المشروعة والكسب غير المشروع ومخالفات البناء والسير و”التشبيح”و”البهورة”.
أسامة إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى