التحقيقات

ولادة الفكر والنفس بالارادة والتحرر والاستقلال – أسامة اسماعيل

الضرورة غير الجبر،والعقل الفردي هو الذي يقرر
لم يختر أحد يوم ولادته ولايوم موته،وبالتأكيد لم يختر أحد الانتماء الذي أراده له أهله،ولكن الانتماء يختلف عن الولادة والموت في أنه حالة عقائدية ونفسية ومعنوية،يمكن أن تخضع لعقل الفرد وارادته وتجاربه عندما يكبر وليس حالة جسدية واضحة ومكتملة كالولادة والموت،حيث يغيب دور العقل الفردي في الاختيار والقرار والموافقة والامتناع ويغلب فعل الضرورة والقسر.أما الانتماء فليس فوق العقل والحرية والارادة الفردية وان حاول الكثير من الناس تأكيد العكس وتطبيقه على أنفسهم والاخرين.فالعقل الفردي والارادة الحرة هما اللذان يحددان للفرد ما يصلح له لا المجتمع والاخرون،فاذا كان الانتماء الديني والاجتماعي الذي ولد عليه يتعارض مع عقله وارادته وحريته ومكانته ومصلحته يرفضه كليا”ويغادره أو يرفض بعضه ويأخذ منه الأمور الجيدة والمفيدة.
هنالك ولادة الجسد وولادة الفكر والنفس عندما تتحرر من القيود والضغوط والازعاجات والاملاءات،وكذلك هنالك موت الجسد وموت الفكر والروح عندما لايعطي الفرد أهمية للأمور الفكرية والنفسية والمعنوية ويبقى طول حياته حتى نهايتها تابعا”للاخرين ولايقدم على مناقشة ما يسمى “مسلمات” ولايجرؤ على النقد والاعتراض ولايكافح الازعاجات والضغوط والاعتداءات والاهانات،سواء”كانت من قبل أفراد أو جماعات…
الولادة بالفكر والارادة الحرة هي التي تبعد موت الفكر والروح وتعني عدم الخضوع كليا”للانتماء الذي ولد عليه قسرا”،واذا لم يستطع التبعيض والانتقاء من هذا الانتماء ما يصلح له يتركه،وكذلك تعني رفض الازعاج والاهانة والتدخل في شؤونه من قبل الاخرين،فهنالك فئة من الناس تعيش وتستمر على هذه الأمور،وعدم صد هؤلاء وردهم يمثل موتا”فكريا”ونفسيا”واعتباريا”للفرد.
اذا”،الولادة بالفكر والارادة هي فعل تحرر واستقلال ذاتي ونخبوي وتمايز وتفرد،فيما الولادة بالجسد هي استجابة لاحدى ضرورات الطبيعة وفعل القسر البيولوجي والاجتماعي.فالتحرر والاستقلال النخبوي والتفرد والتمايز أمور تتحقق عبر وضع العقل الفردي والارادة الحرة فوق الانتماء القسري ووضع العاطفة والغريزة والمصلحة المادية في الاطار الفردي والشخصي.
يقول الكندي:”الاختيار هو ارادة تتقدمها روية مع تمييز”.ويقول جان بول سارتر:”شخصية الانسان تتكون نتيجة الاختيارات الحرة.فالاختيار الحر للانسان لا الحتمية التاريخية”.وبسبب اختياراته وارادته الحرة وتمييزه بين الأشخاص والفئات والأمور يتعرض المستقل النخبوي الناقد للمحاربة والازعاج وقلة الاحترام والاستفزاز والعراقيل من قبل البعض.ولأنه مستقل ونخبوي يعارض ويكره الوسائل الشعبية للديموقراطية الانتخابية مثل التبعية للأحزاب الطائفية والايديولوجية الشعبوية والانتخابات والمظاهرات التي تسوق عبر معظم وسائل الاعلام السياسي على أنها وسائل للتغيير وتحسين الأوضاع فيما هي في الحقيقة وسائل لاستمرار الاستخفاف بقيمة الفرد وخاصة النخبوي المستقل وابتزازه وارتهان حريته وتسخير وجوده وحقوقه للسياسة الانية والانتخابات والأحزاب والمتزعمين والطائفية والقطيع الشعبي، ووسائل ترعى الاستبداد والفوضى والسطحية.والأزمة الحالية المفتعلة في لبنان مثل على نتائج الدوامة التي تسببها الوسائل الشعبية وخاصة التبعية الطائفية والحزبية والانتخابات والمظاهرات معطوفة على اللعبة الدولية الاقليمية حيث يقوى نفوذ المتزعمين والأحزاب الطائفية والايديولوجية الشعبوية عبر استغلال المشكلات المادية والمعيشية والانمائية مثل ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية والبطالة وتدني الدخل،والمحروقات والكهرباء.وكذلك يقوى استغلال المذهب الديني والطائفية ويزداد تدخل الدول الخارجية في الشأن الداخلي وتتراجع قيمة النخبوي المستقل المعارض والناقد وحريته ودوره أكثر فأكثر.
لعبة السياسة الانية وافتعال الأزمات المسيسة والاقتصادية والمالية والنقدية والانمائية واستغلال المذهب الديني والطائفية تهدف الى تقاسم السلطة والنفوذ والمصالح والحصص لا الحرية والسيادة والاستقلال ولا العدالة والتنمية.ويخدم المتخاصمون في هذه اللعبة أو المسرحية التافهة بعضهم بعضا”.وبدل التركيز على معالجة الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية والانمائية ينصب الاهتمام على السياسة الانية والانتخابات والنفوذ والحصص.أليس تطبيق القانون بمكافحة السوق السوداء للدولار الأميركي والسلع الأساسية أولى من قانون الانتخابات والتجاذبات حول التحقيق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت.أليس الانفاق العام على معالجة الازمة النقدية والاقتصادية والانمائية أولى من انفاق الأموال على الانتخابات التي ستعيدهم الى مجلس النواب مع بعض الأشخاص بقناع مستقلين رغم ربط المساعدات المالية الدولية للبنان وهي قروض باجراء الانتخابات النيابية التي ستعيد انتاج الواقع السيء؟!
أسامة اسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى