المقالات

شغب الشورى كتب: د. قصي الحسين

تأخر كثيرا “مجلس شورى الدولة”، عن الإلتحاق بالدولة. كان حذرا للغاية، عن الوقوع في فخ السلطة. كان عاقلا ومتعقلا في جميع مواقفه التي كان يأخذها. كان لا يجاري السلطة في تهورها وفي إندفاعها إلى قعر الهاوية. كان يتحاشى التماهي معها. كان يتحاشى التماهي مع رعونتها، طيلة السنوات الماضية.
فجأة نرى مجلس شورى الدولة البارحة، يشعل ليل بيروت، كما فعل وزير الإتصالات السابق محمد شقير، حين “أسقط في يده”، وقرر رسما ماليا على إستعمال الواتسب. فجأة أشعل ليل بيروت. فجأة أشعل الثورة. ثورة17- ت1 العام2019، هل تذكرون؟.
ليلة “مجلس الشورى”، تشبه أيضا، “ليلة وايت-white Night”، الذي أشعل مدينة سان فرانسيسكو العام1979. يوم قتل “دان وايت”، عمدة سان فرانسيسكو جورج ماسكون، ومستشاره هارفي ميلك. وأدين وايت، ب”القتل الخطأ” فقط.
مجلس شورى الدولة، “أسقط في يده” البارحة، وأشعل ليل بيروت، بل أشعل ليل لبنان من أقصاه إلى أقصاه. أوقف تنفيذ السحوبات بالليرة اللبنانية، لأصحاب الحسابات بالدولار، على أساس الصرف 3900، ل. ل. للدولار الواحد، دون أن يطرح البديل. فنزل الزبائن دفعة واحدة، يتهافتون على المكنات الآلية، لسحب ما يقدرون على سحبه، قبل دخول قرار مجلس شورى الدولة، حيز التنفيذ. وحين رأى نزول الناس ليلا بمثل هذة الحشود، قال بإجتهاد جديد: إن هذا القرار الذي إتخذه، إنما يعتبر من القرارات المؤقتة التي لا تتمتع بقوة القضية المقضية، رغم كونها ملزمة، للجهة الإدارية المعنية بها، وهي بالتالي قابلة للرجوع عنها، من خلال طلب، تتقدم به الجهة المعنية، وهي مصرف لبنان المركزي.
ما كان ينقص المواطنين، إلا هذا الطابور الجديد، من طوابير الذل التي إستحدثت لبيروت، بعد صفقتين: صفقةالقرن، وصفقة العهد.
طوابير من الذل، أمام محطات الوقود. طوابير من الذل أمام الصيدليات. طوابير من الذل أمام اللحم المدعوم، وأمام الحليب المدعوم. طوابير من الذل، أمام الضمان، وأمام المستشفيات.
ليلة مجلس شورى الدولة البارحة، التي أيقظت الناس من جديد، على سرقة أموالهم، فجرت غضب الشوارع، وجعلت المواطنين يشعرون أنهم مستهدفون.
كانوا “ينفخون على اللبن، لأن الحليب كاوييهم”.
كانوا يخشون أن يذهب المتآمرون، بما تبقى لهم من “جنى العمر”، بعدما ذهبوا بالقسم الأعظم منه.
اللبنانيون يعيشون اليوم، أسوأ أيامهم: رئيس الجمهورية، يبشرهم بأنهم ذاهبون إلى جهنم. والبنك الدولي يحذرهم لتفاقم الأزمة الإقتصادية، حتى لتكاد تصبح كارثية. وصور الفقراء والمعوزين قد ملأت صحف العالم. أولئك الذين يغطسون في براميل النفايات، بحثا عن خبز، وعما يؤكل أو يستعمل، للأولاد الهزلى و الجوعى.
أمس صدر تقرير البنك الدولي، تحت عنوان:”لبنان يغرق: نحو أسوأ ثلاث أزمات عالمية”. ولا يزال المسؤولون، سادرين في غيهم. يعيشون التقاعس الكارثي الذي لم يشهد لبنان مثيلا له، في تاريخه القريب والبعيد.
صار العالم يتحدث بالفم الملآن، عن عصابات السياسيين التي تحكم لبنان. ما عاد أمرهم ينطلي على أحد. ما عاد لأحد منهم كرامته عند أحد في العالم كله. ما عاد لأحد منهم، كرامته التي تردعه عن المساهمة في غرقه. نهبوا خيرات لبنان، وثروات المواطنين، وساقوهم إلى المحرقة، بكل عنجهية، وبكل صلافة، وبلا وخزة ولو بسيطة، من ضمير.
شغب الشورى، صنعه “مجلس الشورى”، كما صنع الوزير “محمد شقير” شغب الواتسب. وكما صنع “دان وايت” شغب المواطنين في سان فرانسيسكو العام 1979. فكلما ضحكت السلطة، بكى الشعب. وإندفع بسبب رعونتها، في ليالي الشغب.
شغب الشورى، هل يكون إذن أول الغيث، أول الشغب!.

أستاذ في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى