التحقيقات

خواطر من واقع الحياة اليومية \ أسامة إسماعيل

صدّق ما يراه عقلك ويسمعه
ما كل ما يراه الفرد ويشاهده ويسمعه ويقرؤوه مقتنع به ويؤيده. وتقول الحكمة :”صدّق ما يراه عقلك ولاتصدّق ما تراه عيناك وما تسمعه أذناك”. وهذا القول ينطبق على الدين والسياسة والمجتمع والإقتصاد والفن. فهنالك معتقدات ونظريات وممارسات دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية، لايقتنع بها الفرد النخبوي العقلاني ولا يؤيدها ورغم ذلك هي مستمرة وتحظى على اقتناع وتأييد من قبل الكثير من الناس. وهذه المعتقدات والنظريات والممارسات والمناسبات لاعقلانية ولا تتوافق مع العقل وإلارادة الفرديين والعلم والثقافة النخبوية والحرية والإستقلال والعدالة. وهذا الأمر يعود إلى آلية التفكير المعتمدة ومحدداته. فإذا كان التفكير يقوم على العاطفة والغريزة والمصلحة المادية فحسب يكون الإتجاه والرأي يصبان في نطاق الإقتناع والتأييد لهذه المعتقدات والنظريات والممارسات والمناسبات. وإذا كان التفكير يقوم على العقل وإلارادة الفرديين المتحررين من المحددات المسبقة وإلزامات الإنتماء بحكم الولادة والمجتمع والسكن والحالة الإقتصادية، يكون الإتجاه والرأي غير مقتنعين وغير مؤيدين لهذه المعتقدات والنظريات والممارسات والمناسبات وللذين يقومون بها.
مشكلة الخلط بين العقل والعاطفة والمصلحة المادية
الكثير من الناس لايميزون بين العقل والإرادة والعاطفة والغريزة والمصلحة المادية ويخلطون بينها ويضعونها في النطاق الجماعي المذهبي والطائفي والعشائري والحزبي والشعبي، فتكون أقوالهم وممارساتهم وتصرفاتهم مبنية على هذا الأساس وتضيع الحدود لديهم بين الفوضى والحرية وبين الإستبداد والتسلط والتنظيم. وهؤلاء ليسوا أحراراً مستقلين بل تابعين لأحزاب طائفية أو إيديولوجية ومن يسمون “زعماء طوائف”. فهؤلاء “الزعماء” والأحزاب يركزون على مخاطبة المعتقدات الجاهزة الجماعية والعواطف والغرائز والمصالح المادية الجماعية عبر خطبهم ومناسباتهم وشعاراتهم ومظاهرهم وأناشيدهم… ويحرصون على حصر العقل والعاطفة والغريزة والمصلحة المادية بالنطاق الجماعي، فيسهل عليهم تسيير الكثير من الناس في القطيع الإجتماعي وراءهم.
التظاهرات والإنتخابات لا تغير الواقع السيء
تغيير الواقع السيء لا يكون بالتظاهرات الشعبية والإنتخابات النيابية والرئاسية، فهذه آليات وأدوات للنظام الديموقراطي الإنتخابي العددي الطائفي الحزبي، وقد جرّبت هذه الأدوات ولم يتغير الواقع السيء بل بقي كذلك أو أصبح أسوأ. وما الأزمة الحالية إلا مثلاً على ذلك، فلم تعد التظاهرات الشعبية والإنتخابات إنتاج السيئين والذين سببوا هذه الأزمة أو أسهموا في التسبب بها فحسب بل أعادت، أيضا”، إنتاج الإدارة السيئة للأزمة والمعالجات التي لم تؤد إلى إنهائها وحلها بل أدت إلى استمرارها وفي بعض الحالات أدت إلى تفاقمها. فهي معالجات جزئية ومؤقتة وغير حاسمة وغير عادلة. فزيادة الرواتب والأجور دون تحسين سعر صرف الليرة اللبنانية وتخفيض سعر الدولار الأميركي وتثبيته عند حد معين ليس حلا”شاملا” وناجعا”للأزمة المالية والنقدية والإقتصادية، فهذه الزيادة تقابلها زيادة في أسعار المواد والسلع والخدمات وزيادة في الضرائب والرسوم والتعرفات التي تأكل زيادة الرواتب والأجور. وإن مواجهة زيادة الضغوط والأعباء المالية والإقتصادية على الفرد المواطن لا تكون عبر التظاهرات الشعبية والإنتخابات والعنف بل عبر ضغوط عكسية على مسببي الأزمة والمسؤولين عبر الإمتناع عن دفع الرسوم والضرائب المرتفعة جداً، التي تفوق قدرة ذي الدخل المحدود والمنخفض وعبر الإنتقاد والإعتراض والمطالبة بتحميل مسببي الأزمة، والأثرياء الأعباء والضغوط المالية والنقدية والإقتصادية التي نشأت بسبب تحويلهم مليارات الدولارات إلى الخارج وتساهل المسؤولين مع هذا الموضوع وتركهم سعر صرف الليرة ينهار إلى مستويات منخفضة جداً مقابل الدولار الأميركي وإيصال البلد إلى حالة تضخم وانكماش في آن معاً. فالديموقراطية الإنتخابية الطائفية الحزبية لا تؤدي إلى تغيير هذا الواقع السيء لأن الفاسدين والجاهلين والسطحيين
والإنتهازيين وعديمي الكفاءة والذوق والأخلاق والوقحين والمزعجين منتشرون بين الناس الذين يحق لهم وفق هذا النظام الإنتخاب والترشح والمشاركة بالقرار السياسي والشأن العام، وستكون صورة السياسة والإدارة هي الصورة المعهودة حيث الفساد المالي والإداري والهدر والتوظيف والتعيين على أساس التبعية الطائفية والحزبية و”الواسطة” و”المحسوبية”، وحيث تستولد الأزمات ومسرحيات الصراعات والتحالفات والإنتخابات لأجل السلطة والمناصب ومصالحهم وحصصهم!!!
أسامة إسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى