المقالات

السير بالانحراف … كالسير بقطيع الخراف \ كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف ، في جريدة الشرق – بيروت

 
      *تتكاثر الأخبار وتظهر في مقدمة النشرات المطبوعة أو المرئية أو المسموعة ، لتتلقفها الناس بكل ذهول وإمتعاض ، لما وصلت إليه حالة مجتمعنا ، أو بالأحرى : لما وصلت إليه البشرية من إنحطاطٍ بالقيم والأخلاق والتصرفات غير الإنسانية ، والتي خرجت عن طور الوجود البشري في هذه الحياة ، والتي باتت بالمستوى الأدنى من الغرائز الحيوانية والحَشَريَّة ، لتكون هي الدالَّة على مدى التدهور في المسؤولية المجتمعية عند جمهور الناس ، وعلى مدى الإستلشاق وعدم المسؤولية تماماً لدى أولي الأمر ، ومن يتربع على كراسي الحكم والسلطة في الدول عامةً ولبنان خاصةً ، الذي يتغنى أبناؤه بالحضارة والتقدم والتمايز البشري ...*
        كل يوم تسمع الآذان وترى العيون ، أحداثاً جديدة بتفنن بعض من يُطلَق عليهم *(صفة البشر)* بوسائل الإنحراف التي تخرج عن المعقول ، وقد عطّلوا صفة ودور العقل نهائياً ، وباتوا من المخلوقات الهامشية في الحياة ، ليتمرسوا بأعمالٍ وتحركاتٍ وشعوذاتٍ لا تمتُّ للبشرية بأية صلةٍ ولا صفةٍ ولا مسؤوليةٍ في الوجود الإنساني ...
        *حينما نسمع ونشاهد أن كلباً (معروفٌ بصفة الوفاء ) قد أنقذ طفلةً حديثة الولادة ، من حاويةٍ للنفايات وموضوعة في كيسٍ محكم الإغلاق ، ليجرَّه خارج هذا المكان الموبوء بحكمةٍ إلهيةٍ ، ترعى إنتباه أحد المارَّة ، فيقوم بإنقاذ الطفلة التي تئنُّ من الوجع ، وتعاني من مفارقة الحياة بخدوشٍ ورضوضٍ ، لم تفهم معناها المجرمة الزانية ، التي ألقت بها متعمدة في هذه الحاوية ، دون أي حياء ، ولما أظهره الكلب من الوفاء ...*
          الحادثة الدنيئة من صاحبتها ، كما الحوادث المماثلة التي تتزايد أخبارها يومياً هنا وهناك على أرض الوطن ، تظهر الإنحدار السريع الذي يصيب شعبنا من تراكمات الأزمات وتعددها على أكثر من صعيد ، بحيث ينوء المواطنون تحت حملها وثقلها على رؤوسهم وكاهلهم ومسؤولياتهم وقدرتهم ، ليصلوا إلى هذا الدرْكِ من الإنحطاط المالي والإقتصادي والسياسي والأمني ، الذي ينعكس على المستوى الإجتماعي والأخلاقي والثقافي والتربوي ، وهذا لا يكون بالصدفة أو بالأمر الطبيعي والفجائي ، إنما هو وليد تخطيط الماكرين المارقين الفاسدين ، والمتربصين بشعوبنا لأجل هدم أخلاقهم وقيمهم ومبادئهم ، ليحلو لهم ما يشاؤون من فرض إنحرافات وشعوذات وحركات وتصرفات تخرج مجتمعاتنا عن دورها البشري في الحياة الحرة الكريمة ...
        *من هذا الإنحطاط البشري ، فقد إنتشر من يروِّج لتجارة وبيع الأطفال بشكل ممنهج وعلني ، أكان ذلك للتبني العائلي ، أو لبيع أعضائهم بعد القضاء عليهم ،  وكأن هؤلاء الأبرياء باتوا سلعاً للتجارة العامة مع هؤلاء المجرمين ، دونما أي رحمة وإنسانية ، ولا للحفاظ على وجودهم كمخلوقات بشرية يتمتعون بحقوق الإنسان ، فيما يجري ذلك على مرآى ومسمع من يدَّعي شرعة حقوق الإنسان ، التي باتت تُدار لقومٍ دون الآخرين ...*
      إن الأهم بهذا الموضوع ، محاكمة هؤلاء المروِّجين والتجار الفجار ، بدءاً من أولياء أمورهم ، الذين يتخلون عنهم لقاء دولارات أو دريهمات من المال ، والذي يذهب هدراً على ملذاتهم في ظل الإعتداء على القيم والمبادئ والقوانين الدولية والمحلية ، وإنتهاءً بكل مسؤول يروج لتجارة النخاسةهذه ، ولا حياة لمن تنادي ...
        *الإنحرافات تتزايد  ونجدها على أكثر من صعيد وقد ظهر الفساد في البر والبحر ، وطال معظم المجتمعات ، وليس الفقيرة منها فقط ، حيث لكل مجتمع أو فئة من الناس ، لهم مصيبتهم بالفساد والإنحراف والنشاذ ، فمن هذه المجتمعات من تتفشى فيهم الرذيلة والشعوذة ، والتي يريدون تقنينها تحت ستار الحرية الشخصية ، ونعتها بأسماء تتطرب السمع لتسهيل تناقلها بين الألسن ، بدل الإستحياء من أفعالها ، وضبطها في المعالجة الصحية والنفسية ، لأن ذلك مرض خَلقي ، أوعضوي ونفسي ، كأي مرض طبي بشري ، والمعالجة تكون لمكمن العلَّة ، وليس بالدمج المُعدي للآخرين وتفشي الشواذ ...*
      وهناك فئآت تتفشى بينهم علَّة الإدمان على المخدرات وحبوب الهلوسة ، وتزايد أنواعها وتجارتها ، التي تقضي على أبناء المجتمعات وخاصة شبابها ، حيث نطلق عليهم أنهم أمل المستقبل والغد الواعد ، وقد باتوا معها عالة على المجتمعات التي تحويهم ، وباتوا يشكلون الخطر الداهم بالجرائم والقتل ، والسرقات والنشل ...
        *إنحرافات متعددة وعديدة يصعب على المرء سردها في عُجالة ، ولكنها باتت تهدد الوجود البشري الواعد وتقضي على المجتمعات التي تتشكل منها الأمم كما قال الشاعر : (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ...فإن هم ذهبت أخلاقهم ،  ذهبوا ) وذلك هو المراد من إفساد المجتمعات وتحطيم مبادئها لتكون سلعةً بأيدي الفاسدين أتباع الشياطين ، يديرونها ويتاجرون بها كيفما يشاؤون ...*
      ولذا فالمسؤولية على من بيدهم زمام الأمور بالحكومات والخدمات ، وليس بالتسلط والهيمنة على المناصب والمراكز التي يتهافتون عليها لأجل مصالحهم وزيادة أرصدتهم ، وإذا عرف السبب بطل العجب ...
    *ولهؤلاء المنحرفين بالسياسة والحكم والقيادة والمسؤولية الإجتماعية نذكرهم بالقول المأثور : (فاقد الشئ لا يعطيه) ، وأيضاً : (إذا كان ربُّ البيت بالدُّفِ ضارباً ، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص) ، وكأننا في مشهد السير بالإنحراف ، كالراعي مع كلبه الذي يقود الخراف ...*

*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى