المقالات

إدلي بصوتك … ولا تبلي بصمتك …
كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف

التغيير.. التغيير ..التغيير ..
كلمات وأهداف وأماني وآمال معظم اللبنانيين الذين سئموا الحالة المزرية التي وصلوا إليها بعد عدة عهود من الفساد قد إختتمها هذا العهد بالوصول الى جهنم ، وإلى الدرك الأسفل من النار ، حيث إكتوت بلهيبها معظم الفئآت الشعبية ، وليس الفقيرة منها فقط ، وسجلت الرقم القياسي محلياً ودولياً في التعديات على حقوق الناس ، بأكثر من صعيد وفي مقدمتها على الصعيد المالي ونهب أموال المودعين في المصارف وتسييب الأمور على عواهنها في كيفية صرف سعر الدولار ، حيث تنهب أموال الشعب من غير المودعين بطرق إبليسية أدهشت شياطين الإنس والجن ، حيث إستطاعوا تجفيف مصادر الإدِّخار والصرف على مواد العيش الكريم للمواطنين من أعلاهم ، حتى أدناهم فباتوا يمثلون طبقة واحدة وهي مصنفة تحت خط الفقر…
إتجهت كل الآراء بالتغيير الى الإستحقاق الإنتخابي ، وهو الأصل في التعبير وفق القانون اللبناني الديموقراطي البرلماني ، ومن خلال الإنتخاب الشعبي الشامل الذي يتيح لكل ناخب أن يدلي بصوته بحرية كاملة وبشكل سرِّي وخاص ومن وراء حجاب ، وهذا مايحدث كل أربع سنوات لتشكيل المجلس النيابي ، الذي يمثل السلطة التشريعية ، وهي السلطة الأولى في إدارة شؤون الدولة ، ووضع أسس الضوابط التي تحدد مسار السلطتين التنفيذية والقضائية ، وبذلك تكون هي العمود الفقري الذي تقوم عليها مؤسسات الدولة وأجهزتها المتحركة في كل الإتجاهات ، لتشكل الجسد الواحد في الأقانيم الثلاثة : الشعب والأرض والمؤسسات ، وفي ظل الرقابة والفصل بين السلطات لتحقيق مبدأ الديموقراطية المرتجى…
هذا ما هو موجود في النصوص القانونية والنظامية ، التي يحتويها الدستور وكافة القوانين المتفق عليها في الميثاق /١٩٤٣/ وفي إتفاق الطائف /١٩٩٠/ ولكن …؟؟؟
ما هو موجود في النفوس يناقض ذلك تماماً ، خاصة مع تعاقب الوصاية الدولية أو الإقليمية لتسيير هذا البلد وفق المصالح الخاصة ، أو الإصطفاف السياسي والعقدي بين الخارج والداخل ، سيما وأن الرؤوس الفاسدة المركَّبة والجاثمة على صدور المواطنين ، تحت مسمّيات متعددة ولكنها واحدة في تنفيذ المآرب والأهداف لدول الوصاية ….
كيف لا .. وهم موظفون لتنفيذ برامجهم وخططهم ، التي تتناسق مع خارطة طريق الشرق الأوسط الجديد ، الذي وضعه اليهود للمنطقة من أجل تأمين سلام وسلامة الكيان الإسرائيلي ، مع تفتيت وتقسيم ما حوله وتشكيل كيانات أصغر ، مبنية على أساسٍ طائفيٍ ومذهبيٍ وعرقيٍ عنصريٍ ، وتتداخل فيما بينها بمشاكل وإشكالات عديدة ، ولكنها منضبطة بوصايات دولية حسبما تلوذ فيها قيادة كل كيانٍ سياسياً أو دينياً …
وهذا ما دفعهم الى المحاصصات وإقتسام مراكز القوى أو حتى السلطات والمساعدات والتوظيفات المبنيَّة على التوافق بالمصالح وحجم القوى الحزبية والطائفية والمذهبية ، والتي تُستَخدَمُ جميعها لإنجاح خططِ وبرامجِ الوصايةِ المتعددة على الكيانات المصطنعة ، والجاثمة على صدور الشعب اللبناني الواحد الموحد في النصوص وليس في النفوس …
من هنا نستطيع التقدير لكيفية تنفيذ النظام التوافقي المسمى ديموقراطي لِذرِّ الرمادِ في العيون ، ودغدغة عاطفة الشعب اللبناني لمواكبة هؤلاء المتسلطين على الحكم ، والمهيمنين على مراكز القرار بتوزيع التركة فيما بينهم تحت مسميّات الكتل البرلمانية وتمثيل الطوائف والمذاهب ، ومنها إنبثقت فكرة الميثاقية والتمثيل الأقوى لها ، من أجل توزيع المغانم بحصص مصنفة كما ظهرت مقولة : ما لنا لنا وحدنا ، وما لكم ، لنا ولكم …
وكما هو معروف حالياً بالإتجاه نحو التوزيع الفيدرالي على مراكز القوى والأقوى على أرض الواقع ، وما يجري الإعداد له من مؤتمر تأسيسي سيعقد في أوروبا بعد الإنتخابات هذه ، لبحث النظام الجديد للبنان وتعديل الدستور على أساسه قد يطيح بنتائج إتفاق الطائف ، ويُدخل لبنان بالتوزيع الثلاثي الأبعاد ، وتوزيع الحصص بالأرض والشعب والمؤسسات ، على أساس النظام الفيدرالي الجديد تحت الغطاء والوصاية المعتمدة دولياً وإقليمياً وهذا هو المتفق عليه من زمن تفتيت المنطقة العربية والتي نشاهد الفصل الأخير منه بتسوية شاملة ومنها لبنان ….
إن الإستحقاق النيابي الإنتخابي الذي دخل لبنان مداره القطبي ومجاله الفضائي بتنفيذ مراحله الأولى في بلاد الإغتراب لتكون نموذجاً أو تجربة لما قد يصول ويجول به بعض دعاة التغيير وإستطلاع مدى تأثير ردات الفعل على الثورة أو الإنتفاضة أو الإحتقان الناتج عن التضييق السياسي والمالي والإقتصادي والإجتماعي وغيرها على كاهل المواطنين ، ومدى التغيير المعلن من قبلهم في الساحات والشوارع ، وإمكانية تجسيده في صناديق الإقتراع في هذا اليوم الوحيد ليقول الشعب كلمته ويحقق الناخبون أمنياتهم وآمالهم بإزاحة هذه الطغمة والمنظومة الفاسدة التي أفسدت ونغصت حياتهم وعيشهم الكريم …
لذا فقد إتخذت منظومة الفساد عدة تدابير ، وأفردت لثبات تمسكها بالسلطة قرارات وقوانين ، قد حدّت من خلالها تأثير المطالبين بالتغيير على أرض الواقع وأيضاً على صناديق الإقتراع ، وذلك بإقرار القانون النسبي الإنتخابي الشيطاني مع الصوت التفضيلي ومع اللوائح المعلَّبة والمركًّبة في/ ١٥ دائرة إنتخابية بالداخل ، وفي الشتات بدائرة واحدة موزعة بإتقان حسبما تقرره ثلَّة الحكم المتربعة على السلطة والمال …
مع هذه المطبات القانونية والحواجز الإنتخابية ، التي تجعل من الناخب اللبناني يسير في الإتجاه المرسوم ، شاء أم أبى طالما أنه يطبق هذا القانون في صيغته الإستفرادية ، التي تتجه الى الحسم في تداول السلطة مع هذه الرؤوس الفاسدة الممسكة بقواعد اللعبة والإشراف على تنفيذها وفق خارطة الطريق المعدَّة لإستمراريتهم بالحكم والتسلط والهيمنة على رقاب الناس ، وإعطاء المبررات لأركان الوصاية بتأمين الأغلبية التي تقرر وتوافق على غاياتهم بتحقيق مخططاتهم للمنطقة …
وهذا ما يريده المخرج الأوحد من هذا السيناريو المسرحي ، وما ينسقه المايسترو الأعظم من هذه السيمفونية ونغماتها المهيمنة على السمع والطاعة…
الخوف من هؤلاء الذين قادوا الوطن الى الجحيم ، ونالوا ميدالية الفساد تحت إسم (كلن يعني كلن) هم اليوم في وجوم وتعصُّب ، خوفاً من أي خرق في مركب الموت لسياستهم إذ أن تدفق الأصوات الحرّة ، وزيادة نسبة الإقتراع في هذا اليوم الوحيد للتعبير عن حرية الإختيار للناخبين ، قد تزيد من شرخ مركب المنظومة الفاسدة …
لتغرق في بحر التزوير ، وتبقى في قعر التعيير ، وتتبدل مفاهيم التدبير ، مع التعقل والتنوير ، ومع حسن الأداء والتقدير ، لتأمين العدد الوفير ، لمرشحي قوى التغيير ، في مقابل بلوكات التجيير ، وجلب الأصوات بالتسعير ، وإستخدام أساليب التنفير ، لضمان فوزهم الكبير ، ليحلو لهم إستمرار التعكير ،
ولا بد للناخبين من النداء الأخير :
إدلي بصوتك … ولاتبلي بصمتك …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى