إجتماعيات

العمل الأنساني بقلم ؛الدكتورة أسماء عبد العظيم بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بني سويف

التقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة في حال الرخاء ينفع في الشدة، والقيام بحقوقه تعالى في كل حال ينقذ من كل مشقة, فالأعمال الصالحة سبباً لحصول الخيرات، ومنقذة من الهَلكات والشدائد.
وكلما كان الإنسان أعظم نفعاً لعباد الله, كان نصيبه وافراً من رحمة الله، قال تعالى:
(إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف: 56,
وقد جعل الحق سبحانه وتعالى الجزاء من جنس العمل في الخير والشر وهو من مقتضى الحكمة والعدل, وليرغب العباد في الخير ويحذروا من أن يغضبوا ربهم سبحانه,
فقد قال تعالى ،(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الزلزلة: 7, 8.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء», وقال أيضاً «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كُربة، فرج الله عنه بها كُربة من كُرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة», وقال « ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».
كل ما يُفعل من أعمال الخير والبر فثوابه كثواب من تصدق بالمال ، فلقد قال صلى الله عليه وسلم « كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» معروف أي: ما عرف فيه رضاء الله تعالى فثوابه كثواب الصدقة, بحيث إن الإنسان يحسن إلى أخيه سواء كان بإعانته بفعله، أو بجاهه، أو بماله، أو بأي وسيلة من وسائل النفع, فإن ذلك كله صدقة، فيدخل فيه الأعمال البدنية والمالية على قدر الاستطاعة، وأهم من هذا كله هو إحياء روح الأخوة الإنسانية في الناس,
فكلما أوصلته إلى الخلق من البر والإحسان والتكريم، فإنه داخل في قوله تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) المزمل: 20.
فأقل المعروف تؤجر عليه حتى الإنسان الذي يتصدق بشق تمرة له فيه أجر وثواب، ويقي وجهه من النار بشق تمرة يتصدق بها، ومن أقل الأشياء قوله صلى الله عليه وسلم (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، فيلقى المسلم أخاه المسلم فيتبسم في وجهه، وله فيها صدقة.
وكما يكون المعروف في الأعمال يكون في الأقوال أيضاً، قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة:83 ، أي: قولوا لهم قولاً حسنا، بأن تخاطبوهم بالكلام الطيب، الذي يجلب المودة، ويرغب في الخير، ويؤلف القلوب.
إن بذل المعروف وتقديم البر والخير إلى الناس هو صفة أصحاب القلوب الرحيمة التي تتجاوب مع حاجات الناس وتعيش همومهم وتقلق لمصابهم، وهو بهذا البذل والجود لا يريد من أحد جزاءً ولا شكوراً ولا يريد مدحاً ولا مالاً ولكنه يريد الثواب من الله ويريد محبة الله ومعيته، (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل:128، ويريد الفلاح والفوز بالجنة ويريد الخيرية في الدنيا والآخرة لأن خير الناس أنفعهم للناس، قال تعالى (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الحج:77,
وفي ذلك إعلاء لحقيقة الأخوة الإنسانية وتجاوز شهوة حب الذَّات، وتكافل بين الناس يزرع المحبة في نفوسهم.
وإذا قدم الإنسان خيراً فإنما يقدمه لنفسه؛ لقوله تعالى: ( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة:110 ؛ ولهذا ليس له من ماله إلا ما أنفق لله,
فمن الخير أن يستكثر الإنسان منه في هذه الحياة وأن يبادر إليه قبل أن تضيع الفرصة ولا تعود (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) المنافقون: 10, وقوله تعالى (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ) النور: 33, ثم يصل إلى الحقيقة، فيبين لهم أن هذا المال الذى تحت أيديهم إنما هو في الواقع مال الله، وأنهم ليسوا بأكثر من مستخلفين فيه، أعطاه إياهم لينفقوه حيث يرشدهم إلى مواضع إنفاقه، (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) الحديد: 7, وليس ما أعطيناه من مال سوى أحد الاختبارات التى اختبرنا الله بها، ليرى أنشكر أم نكفر، (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) الأنفال: 28, وإذا كان المال في الواقع مال الله، فإن الشُح به ليس من سمات الخير، ولا مؤذناً بفلاح صاحبه، (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر: 9.
وهكذا جاءت شريعة الإسلام إنسانية في صميمها، تحترم الوجود الإنساني تقوي روابط الأخوة الإنسانية بين البشر، وتؤلف بين قلوبهم عواطف التراحم، والتواد، حتى يتخففوا من دواعي الأنانية, وما أحوجنا إلى القيم الإنسانية ,ولا سيما مع الضعفاء وذوي الاحتياجات, وذلك بأن نقضي حاجتهم ونرفق بهم.
جعلنا الله تعالى من المحسنين المتراحمين المتعاطفين الذي يقدمون الخير للناس ويؤثرون على أنفسهم, والمتواصلين في السراء والضراء, إنه سميع مجيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى