التحقيقات

العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة علاقة حقوقية مشروطة \ أسامة اسماعيل

الأزمة الحالية تضرب هذه العلاقة وتخل توازنها
النظام الديموقراطي الانتخابي الطائفي العشائري الحزبي يفسح المجال لأي شخص مهما تدنى مستواه الفكري والعلمي والثقافي والأخلاقي ادعاء معرفة كل شيء والانتخاب والاختيار والرأي والقرار في السياسة والشأن العام،ولايتيح المجال أمام النخبوي المستقل ليكون له دور ومكانة وتأثير فاعل.وهذا النظام هو الوجه اﻻخر للديكتاتورية والثيوقراطية.فالقاسم المشترك بين هذه اﻻنظمة هو تعاملها مع الأفراد على أساس أنهم قطيع تحت صفة شعب أو طائفة أو عشيرة أو حزب أو مجموعة.فلاقيمة للفرد في هذه الأنظمة خارج نطاق القطيع الشعبي أو الطائفي أو العشائري أوالحزبي مهما كان مستواه الفكري والعلمي والثقافي والأخلاقي. وفي هذه الأنظمة العقل والعاطفة والغريزة والحاجات المادية هي مسائل جماعية لافردية وشخصية ممايخلق الاستبداد والقمع والفوضى والفساد والظلم والتفاوت.
هذه الأنظمة الاجتماعية والسياسية السيئة تفترض أن الانسان يولد ويعيش ويعمل ويتزوج وينجب الأولاد ويموت لأجل الجماعة سواء”كانت شعبا”أم طائفة أم عشيرة أم حزبا”،فيما المفهوم الحقيقي والصحيح يفترض أن الفرد يعيش ويفكر ويتكلم ويعمل على أساس عقله وارادته ورغبته وحاجاته المادية الفردية ويتعامل مع المجتمع على هذا الأساس.وهذه العلاقة مع المجتمع مشروطة ومحددة بالحصول على حقوقه الطبيعية والمكتسبة والمحافظة على حريته واستقلاله وكرامته وراحته،ولاوصاية ولاولاية ولاأفضلية “لرجل الدين”ومن يسمى”زعيم الطائفة”والعشيرة والحزب وأي مجموعة شعبية على المثقف النخبوي المستقل.فالعلاقة الندية المشروطة بينه وبينهم تضمن عدم فرض معتقداتهم وأرائهم الجاهزة والجماعية عليه وكذلك عدم فرض عاداتهم ومناسباتهم وطقوسهم عليه وعدم التدخل في أموره وأسراره الشخصية والفكرية والمهنية، ولكن العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة في هذا البلد مختلة.
الأزمة الحالية في هذا البلد هي نتيجة النظام الانتخابي الطائفي العشائري الحزبي والسياسة والادارة السيئتين المنبثقتين منه،والاقتصاد الرأسمالي أو اقتصاد السوق غير المضبوط بما يكبح جموحه و”تغوله”وظلمه لذي الدخل المحدود والمنخفض والمعطل عمله.وهذه الأزمة المفتعلة ذات شقين: شق مسيس ومعنوي ونفسي واجتماعي وشق اقتصادي ومالي ونقدي وانمائي.ففي الشق الأول تمعن هذه الأزمة في تهميش قيمة الفرد وخاصة النخبوي المستقل، ورفع قيمة من يمتلك المال الكثير لامن يملك العلم والثقافة النخبوية والحرية والاستقلال والكرامة والذوق السليم وتعلي شأن التبعية والولاء للطائفة والعشيرة والحزب و”الزعيم”والمجموعات الشعبية فوق شأن النخبوي المستقل في ظل مسرحيات وتمثيليات صراع وخلافات وانتخابات نيابية ورئاسية تضمن استمرار المفهوم السيء للسياسة والادارة،والنهج والأداء والسلوك المرتبط بهما وتجعل المذهب الديني أو الطائفة ورقة لعب بأيدي من يسمون زعماء والسياسيون والأحزاب والمجموعات الشعبية والدول الخارجية التي تدعمهم لأجل السلطة والمناصب والسيطرة والثروة والحصص والنفوذ بصورة تجعل المذهب أو الطائفة أكثر ابتعادا”عن جوهر الدين وغايته.وفي الشق الثاني يزداد الضغط الاقتصادي والمعيشي والمادي على ذي الدخل المحدود والمنخفض والمعطل عمله من جراء ارتفاع أسعار السلع والمواد والخدمات الى أكثر من865 في المئة بسبب ارتفاع سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء المعترف به من قبل المسؤولين في الدولة ومصرف لبنان الى أكثر من 25 ضعفا”، وبسبب ارتفاع أسعار بعض المواد عالميا”والتهريب والاحتكار،بالاضافة الى الضغط الناتج من انخفاض قيمة الدخل الفردي المحدود بالليرة اللبنانية التي تدنت قيمتها الى أكثر من 93 في المئة.وتغيب الاجراءات الشاملة والمتكاملة لمعالجة هذه المشكلة بل تحل محلها الاجراءات الجزئية والمنفصلة مثل اجراء سعر صيرفة ثم السعر الجمركي أي 15000ل.ل. للدولار، الذي أقر على أنه السعر الرسمي ويطبق،بداية”، على الرسوم الجمركية ورسم القيمة المضافة،وقال رئيس الحكومة ان هذا السعر سيعمم تدريجيا”عبر تعاميم وقرارات من مصرف لبنان وسوف يعتمد عليه في المصارف.والزيادات على الرواتب والمعاشات التي لاتتناسب مع الغلاء وهي ليست شاملة وعادلة.وهنالك ضغط انقطاع الكهرباء المستمر وارتفاع كلفة فاتورة الاشتراك بمولد الكهرباء فوق قدرة ذي الدخل المحدود والمنخفض.فلا اجراءات شاملة ومتكاملة من قبل المسؤولين في الدولة لمشكلة ارتفاع سعر صرف الدولار وأسعار السلع والمواد والخدمات وانقطاع الكهرباء وانخفاض قيمة الدخل المحدود بالليرة والقدرة الشرائية وغياب الوظائف وفرص العمل وتعطل العديد من الناس عن العمل بسبب الأزمة، وهذه المشكلة لاتحل بفتح باب الهجرة للعمل من قبل الدولة في الخارج لأن مسؤولية الدولة هي تأمين وظائف وفرص عمل في هذا البلد أولا”.فما هو مطروح ومقرر ومعمول به اجراءات جزئية ومنفصلة ومؤقتة ووعود وانتظار مساعدات صندوق النقد الدولي والتنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة البحرية المتاخمة للكيان الاسرائيلي.
العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة هي علاقة حقوقية ندية ومشروطة وليست علاقة ابتزاز وتسلط وتبعية وشروط من طرف واحد هو المجتمع والمسؤولون في الدولة والسلطات الدينية والمذهبية والسياسيون والأحزاب والمجموعات الشعبية والأثرياء والمصارف والتجار الكبار.فحقوق الفرد المادية والمعنوية والنفسية ليست ملك المجتمع والدولة، يمنان بها عليه ساعة يريدان ويمنعانها عنه ساعة يريدان بل هي ملكه.فيجب أن لاتخضع حقوق الفرد وخاصة النخبوي المستقل وحريته وكرامته وراحته لوصاية الجماعة و”رجال الدين”و”الزعيم”والحزب والشعب ولمسرحيات الصراع والخلاف والانتخابات والأزمات التي يفتعلونها بين فترة وأخرى.
أسامة اسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى