التحقيقات

السياسة الطائفية الحزبية الشعبوية ونتائجها السيئة \ أسامة اسماعيل

السياسة الطائفية العشائرية الحزبية والشعبوية مبنية على شطب قيمة الفرد واحلال محلها قيمة الجماعة.وأصل كلمة السياسة يعني ادارة الأمور وحسن تدبيرها أو القيام على الشيء بما يصلحه.ولا يتوقف هذا المعنى على الجماعة بل انه يقصد الفرد قبل الجماعة خلافا”للمفاهيم والنظريات التي تربط السياسة بالجماعة حصرا”.
الأنظمة السياسية والاجتماعية تربي الناس على اعلاء شأن الجماعة على الفرد وخاصة النظام الديموقراطي العددي الطائفي العشائري الحزبي المعمول به في لبنان،الذي لايعترف بالفرد الاعلى أساس أنه ناخب أو تابع لطائفة وعشيرة وحزب وشعب.وهذا ما أشار اليه القانوني الراحل ادمون الرباط الذي كتب قائلا”:”الشعب اللبناني هو عضويا” مؤلف،بالدرجة الأولى،ليس من أفراد يحملون قيمة المواطنين،ولكن، من طوائف.وهكذا،لن يكون اللبناني مواطنا”مستقلا”.ولكنه عضو في الطائفة التي ينتمي اليها،فقط،بفعل ولادته أو،استثنائيا”جدا”،
باختياره
الحر.” فلا قيمة لعقله وارادته الفرديين وفكره ورأيه المعارض والمخالف لما هي عليه أغلبية المجتمع أو الجماعة والأشخاص والأحزاب النافذين والمسيطرين.ووفق هذا المفهوم والنظام لايمكن الفرد أن يعارض وينتقد المعتقدات والاراء والعادات والمناسبات والطقوس الجماعية ولايمكن أن لايتماشى مع العواطف والغرائز والمصالح الجماعية. وفي بعض المعاجم عرف نظام الحكم الجماعي Sociocracie,Sociocratie بأنه الحكم الذي يقوم على الأساس الديموقراطي من طريق التمثيل النيابي.وقال أليكس دي توكفيل:” ان من أهم مشكلات المجتمع الديموقراطي مشكلة “طغيان الأغلبية”التي تميل الى فرض رأيها على الأقلية ثم على الفرد”. وهذه الأمور محط استغلال واستثمار وتشجيع من قبل السلطات والأشخاص والأحزاب النافذين،ولولا هذه الأمور لما كان لمن يسمون “زعماء طوائف”والأحزاب الطائفية والايديولوجية الشعبوية موطئ قدم وامتداد الى مناطق بعيدة عن مناطق نشأتهم
وتأسيسهم.وتساعدهم على ذلك وسائل اعلام تابعة لهم أو قريبة منهم أومسيسة وغياب الاعلام النخبوي المستقل الذي ينتقد هذه الأمور ويشجع العقل والارادة الفرديين والاستقلال الفكري والنفسي ووضع العاطفة والغريزة والمصلحة المادية والمعنوية في النطاق الفردي، ويرفض السياسة الطائفية والعشائرية والحزبية والشعبوية التي تفضل الجماعة على الفرد.فالجماعة هي خزان وقود السياسيين والأحزاب والمجموعات الشعبية يستعملونها ويستغلونها لأجل الوصول أو البقاء في السلطة والمناصب ولأجل الشعبية والسيطرة والنفوذ والثروات.أما الفرد وخاصة النخبوي المستقل فلا يحقق لهم هذه الفوائد والغايات.لذلك يبعدونه ويحاولون تهميشه وفق مناهجهم وحركة سلوكهم اليومي التي تركز على ترسيخ حالة القطيع الطائفي والعشائري والحزبي والشعبي.ويقوم الكثير من وسائل الاعلام بالتسويق والترويج لهم بدلا”من ترويج السياسة العامة التي تهتم بالادارة والتنمية والاقتصاد والعلوم والثقافة والفنون الراقية وقيمة الفرد وخاصة النخبوي المستقل.وبشكل عام،هذه الظاهرة توسعت مع غلبة صفة الجماهيري على وسائل الاعلام المطبوع والمسموع والمرئي بعدما كانت وسائل الاتصال والتعبير أقرب الى الفرد وصفة النخبوي.والصفة الجماهيرية تخدم السياسيين والأحزاب والمجموعات الشعبية ومن يسمون رؤساء الطوائف.ويعلل غوستاف لوبون ذلك بأن الجمهور لايتحمل الاعتراض والمناقشة فيما الفرد يقبلها.”وفي الجمهور يتحرر الأبله والجاهل والحسود من الاحساس بدونيتهم وعدم كفاءتهم وعجزهم.وان مبالغة الجماهير تخص العواطف لا العقل”.
في حالة لبنان،الكثير من وسائل الاعلام يهتم بمسرحيات السياسيين والأحزاب والدول الخارجية الداعمة لهم وتمثيلياتهم،ويقوم بتسويقها تارة تحت عنوان أزمة وخلافات وصراع،وتارة أخرى تحت عنوان تفاهمات وتسويات والمخرج من الأزمة.وتصور الانتخابات النيابية والرئاسية وتغيير الحكومات بأنها الحل والمنقذ،فتكون النتائج هي تحسين مواقع السياسيين والأحزاب وأوضاع نفوذهم في الدولة والمجتمع والاقتصاد في القطاعين العام والخاص ومصالحهم والدول الخارجية الداعمة لهم.وقد يتراجع السيء الذي يحيط بالوضع العام أو يزداد سوءا”تبعا”لهذه المسرحيات والتمثيليات ومصالح البعض المالية والاقتصادية والمعنوية.ولكن الواقع السيء يبقى على حاله من حيث استمرار السياسة الطائفية العشائرية الحزبية والشعبوية وحالة القطيع وتفضيل التابع والحزبي والمحسوب والطائفي والشعبوي والانتهازي والسطحي و”الشبيح”والوقح والمزعج على الفرد النخبوي المستقل ذي الكفاءة والجدارة بالوظيفة وفرصة العمل والدخل والمكانة والاحترام،وغياب الحرية الحقيقية مقابل سيادة المتناقضات مثل الفوضى والعشوائية من جهة والاستبداد والتعصب من جهة أخرى ،والضجيج العقيم والمزعج من جهة والجمود الخانق من جهة أخرى.وهذه الأمور هي الأسباب الحقيقية للأزمة الحالية التي أدت الى ارتفاع الأسعار أضعافا”مضاعفة وتدني قيمة الدخل الفردي المحدود بالليرة اللبنانيةحتى بعد الزيادات المقررة والمساعدات الاجتماعية غير الكافية، وندرة الوظائف وفرص العمل وانقطاع الكهرباء المستمر والفاتورة المرتفعة للاشتراك بمولد الكهرباء والكلفة الباهظة للمحروقات والاتصالات والاستشفاء والدواء.
أسامة اسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى