المقالات

الحرب أولها كلام – د. قصي الحسين

السجالات اللبنانية الجارية بين أطراف المعادلة السياسية، هذة الأيام، تنذر بالشؤم. فهي لا تمهد للمصالحة حتما، وإنما تمهد للحرب.
السجالات اللبنانية اليوم، بحدتها وبألسنة نارها وببالوناتها المشتعلة، وبقذائفها البعيدة المدى، لا توحي بتشكيل حكومة. ولا بتقصير الطريق لتشكيل حكومة. ولا تمنح الناس الثقة، بأن هناك حكومة جامعة، ستولد في المدى المنظور، أقله قبل نهاية العهد.
السجالات اللبنانية اليوم، تجعل اللبنانيين يتحسبون للأيام وللأسابيع وللأشهر القادمة. بأنها جميعها عجاف. تلزم الناس أخذ الحذر من جفاف البضائع في السوق. ومن غلاء الأسعار. ومن فقدان المواد الأساسية. ومن إنهيار العملة الوطنية. ومن التحضر للحرب، لأن الحرب أولها كلام.
السجالات الجارية بين المحاور والمنابر السياسية، توشك أن تقول شيئا واحدا: جاهزون لمقارعة التحدي، بالتحدي.. جاهزون للمنازلة وللنزال. جاهزون للنزول إلى الشارع. جاهزون لقلب المعادلات، وإلغاء التفاهمات. والإنقلاب على كل شيء: على القوانين والدساتير. وعلى الميثاق وعلى التقاليد و الأعراف. تقول أيضا، أشياء أهم من ذلك: جاهزون لمغادرة لوزان و الطائف والدوحة، وقصر الصنوبر أيضا.
فجأة بمثل هذة السجالات “المزكزكة”، تصير الرؤوس حامية. يضربها الطيش، فتصير سنوات الحرب الأهلية الخمسة عشر، أقرب إلى العين من شحمة الجفن. بل أقرب إلى الخد من الأذن.
ترى النفوس فجأة، تسيل على حد الظباء، بعدما كانت حتى الأمس القريب، تخرج من القلب العسل.
بعد سماع مثل هذة السجالات النارية، يصير السؤال مشروعا، عن حرب مكتومة في نهاية العهد. هكذا كانت تنتهي العهود الممهدة للحروب.
الحرب أولها كلام: من عطل التفاهمات بين اللبنانيين فجأة. من كبس على زر التعطيل. من يقص أشرطة التواصل من الخلف. من يفجر الصلة الآمنة، ويرفع الدولار، ويخفض الدولار، ويجعل الناس تفتكر، بأزمنة حرق الدواليب، وبناء الدشم. وقطع سبل التواصل، وهدم الجسور.
من يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فيدعو للإصطفاف الطائفي من جديد. من يريد الحرب!
الحرب أولها كلام: بيان من هنا، ورد من هناك. ونقض للرد. ونقض للنقض. فإذا الشرر يتطاير، بعد قدح الزناد طلبا للأوار. وإذا قرع الطبول يتعالى من خلف الجدر. وإذا اللبنانيون فجأة، أمام الدشم. وإذا النيران فوق الروابي. وربما أولا، “فوق روابي الجبل.” وإذا كل شيء يسود.
ينسحب بياض الأمس، وتخرج السجالات ألسنتها الحمراء، لتحرق ما تبقى من الأرض.
الحرب أولها كلام: إنتهى زمن الدعابات والمداعبات، وبدأ زمن الجد.

أستاذ في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى