التحقيقات

الواقع السيء الحالي عدو المثقف النخبوي المستقل \ أسامة اسماعيل

عندما يبدأ الفرد بالكتابة يبدأ بفعل التحرر من الواقع المحسوس الذي يضج بالفوضى والتسلط والسطحية والمعتقدات والعادات وأنماط السلوك المشوهة والمزيفة للدين والسياسة والمجتمع والاقتصاد ومفاهيم النجاح والتفوق والرجل والمرأة والزواج …هذا التحرر مؤقت لأن الفرد المثقف والكاتب عندما يفرغ من فعل الكتابة يعود ليصطدم بالواقع السيء مجددا” وليعاني الانزعاج والتضايق والضغوط والقلق بسببه.فهذا الواقع الظالم والمتسلط والفوضوي والطائفي والعشائري والحزبي والشعبوي هو عدو المثقف النخبوي المستقل ويهدد وضعه المادي والمعيشي والنفسي والمعنوي والأمني ومستقبله كل يوم.أما التحرر الفعلي والدائم من هذا الواقع فيكون عبر بناء واقع محسوس جديد مغاير له،وهذا ما سيواجه برفض ومعاندة ومحاربة من قبل حراس هذا الواقع ورعاته والمنتفعين منه والمتمسكين به والانتهازيين.
ان بناء واقع جديد أفضل دونه عقبات كثيرة.فالمثقف النخبوي المستقل لايواجه أفكارا”وايديولوجيات وقضايا معنوية ومشكلات نفسية فحسب بل يواجه أشخاصا”ومجموعات تحمل هذه المعتقدات والعادات وأنماط السلوك والصفات السيئة.فصفات الوقاحة واللؤم والتعجرف والطمع والحسد والفوضى والتسلط والتعصب والجهل والسطحية ليست صفات مجردة تدور في الهواء بل هي صفات لأشخاص ومجموعات بشرية تنظر الى الفرد وتتعامل معه وتقومه وفق معتقداتها وأهوائها ومصالحها وغاياتها وليس وفق عقله وارادته ومصلحته وحقوقه…ويعاند هؤلاء أي كلام أوكتابة أو فعل ذات توجه تغييري بسبب أوهامهم وحالتهم القطيعية.وهؤلاء يفكرون ويتكلمون ويشعرون ويتحركون ويعملون على أساس أن العقل والارادة والعاطفة والغريزة والحاجات المادية أمور جماعية،وهذا لسان حالهم في تقلبهم بين الجمود والصخب الجماعيين.وذلك كله،يغلفونه بقشور الدين والمذهب والسياسة والمجتمع والمظاهر المادية والسطحية.ان هذه الصفات والحالات لاترتبط بالجانب الاجتماعي والنفسي فحسب بل ترتبط أيضا”بالجانب السياسي والديني والمذهبي والاداري والاقتصادي والانمائي،فلو لم تكن صفات الوقاحة واللؤم والخبث والطمع والتبعية والتسلط والفوضى والجهل والسطحية موجودة في الواقع السياسي والديني والمذهبي والاداري والاقتصادي والاجتماعي لما حدثت هذه الأزمة المستمرة منذ أكثر من سنتين،ولما ارتفعت الأسعار أضعافا”مضاعفة مضاعفة تفوق القدرة الشرائية لذي الدخل المتدني والمحدود، ولما بلغ التضخم أكثر من 168 في المئة،ولما وصل وضع الكهرباء الى ماهو عليه من انقطاع مستمر مكبدا”الفرد ذا الدخل المتدني والمحدود أكلافا”باهظة جدا”تفوق قدرته،ولما تقلصت قيمة الدخل الفردي بالليرة اللبنانية حوالي 30ضعفا”،ودولرة الاقتصاد بشكل شبه كامل أو 90 في المئة.فالوقاحة والطمع والجشع واللهاث وراء الربح السريع والثروة،والاهمال والتسيب والفوضى والتبعية والتسييس والطائفية والفساد المالي والاداري أمور تقف وراء الأسباب المباشرة للأزمة المالية والنقدية والاقتصادية والانمائية مثل تهريب الودائع بالدولار الأميركي الى الخارج والهدر وخدمة الدين العام والعجز في الميزان التجاري،ما أدى الى انخفاض احتياطي مصرف لبنان الى ما دون 10مليارات دولار بعدما كان في عام 2019 بقيمة 38مليار دولار،وارتفاع سعر الدولار أضعافا”مضاعفة بعد سقوط السعر الرسمي المستقر للدولار الأميركي أمام ما يسمى السوق السوداء الذي ساد على الأسعار المتعددة للدولار.وعبثا”حل هذه الأزمة بالاجراءات الجزئية والترقيعية والمشكلة بمشكلة أخرى ودون معالجة الأسباب بما فيها الأسباب النفسية والاجتماعية.ومع الاقرار بأن أسباب الأزمة الحالية ليست داخلية فحسب بل هنالك أيضا”أسباب خارجية مسيسة ومالية واقتصادية،ان انتظار تنفيذ الشروط و”الاصلاحات” المطلوبة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لأجل التعافي المالي والاقتصادي المحلي أمر مستغرب.فأين هي الرؤى والامكانات والمبادرات العلمية والعملية لتقديم الحلول العاجلة والناجعة للأزمة؟! ولكن،يبدو أن السياسيين والأحزاب مهتمون ومنشغلون بالزعامة والشعبية والمناصب والانتخابات والحصص والنفوذ أكثر بكثير من الاهتمام بمعالجة الأزمة التي يتحملون المسؤولية عنها.ويوهمون الناس بأن الانتخابات النيابية والرئاسية وتأليف الحكومة هي الحل،وقد أجريت الانتخابات النيابية ولم تأت بحل بل من سيء الى سيء وهكذا دواليك في دوامة لاتنتهي بسهولة.
الفقرة الختامية التالية تلخص جزءا”من أسباب الأزمة الحالية في لبنان:كم من الأشخاص لايملكون العلم والاختصاص والثقافة والذوق الجيد يوضعون مسؤولين وقياديين ومدراء وموظفين مع معاشات مرتفعة من قبل الذين يسمون “زعماء”والأحزاب الطائفية والايديولوجية الشعبوية مقابل قيام هؤلاء بخدمتهم وتعليق الصور والأعلام واللافتات وبث الأناشيد واللطميات والأغاني لأجلهم ؟!! وذلك كله على حساب المثقف النخبوي المستقل.بل هل الذين يرأسون هذه الأحزاب والمجموعات ويتولون الشأن العام مع ممثليهم هم مثقفون حقيقيون ونخبويون؟!!
أسامة اسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى