التحقيقات

قراءة في المشهد الانتخابي لدائرة الشمال الثانية 2022 بقلم الأستاذ : جهاد عبد المجيد المغربي باحث سياسي مختص في علم الاجتماع الانتخابي

يقوم علم الاجتماع الانتخابي على دراسة الانتخابات في مجتمع ما، ومعرفة الظروف الاجتماعية المؤثرة في تلك الانتخابات وبالتالي في عملية التصويت، سواء كانت هذه الظروف سوسيولوجية أو بسيكولوجية أو عقلانية وهو الأمر الذي يدلل على مدى نزاهة الانتخابات لا سيما في المجتمعات المتعددة ، ومدى توفّر الوعي لدى أفراد هذه المجتمعات لذلك كان لعلم الاجتماع الانتخابي علاقة وطيدة مع مسألة التنشئة السياسية التي تساهم في نقل المجتمع الى حالة الثقافة الواعية والهادفة والمتطلّعة دوماً إلى بلوغ الديمقراطية وأهدافها.

ومع حراك 17 تشرين الأول من العام 2019 في لبنان وما تلاه من انفجار لمرفأ بيروت اضافة الى ما رافقه من أزمة اقتصادية وسياسية حادّة جعلت هناك انطباعاُ لدى البعض بأنّ تغييراً بالسلوك الانتخابي للمواطن اللبناني في الاستحقاق النيابي المقبل العام 2022 سيتجلى بانتخاب نخبة جديدة حاكمة، بالمقابل ساد انطباع سلبي لدى آخرين تجلى باعتقادهم بأن امتناعاً وعزوفاً عن المشاركة ستكون هي السمة الأبرز وقت الاستحقاق الانتخابي، نتيجة حالة اليأس والاحباط التي أصابت البعض، أضيف له عزوف زعامات رئيسية عن المشهد الانتخابي الجاري التحضير له في أيار 2022.

وعليه فقد أجرينا استطلاعاً للرأي حول الانتخابات النيابية للعام 2022 في دائرة الشمال الثانية تنوّعت فيه أسئلة الاستبيان من حيث المضمون، بعد المعلومات الشخصية المتعلّقة بالمستوى العلمي والوضع الاجتماعي والمهني إلى الشق السياسي والانتخابي بهدف التعرّف على التنبؤ بتوجهات الناخبين من خلال خمسة محاور أساسية تتعلق:
بمدى مشاركة المستطلعين في العملية الانتخابية وسلوكهم فيها ومحاولة التنبؤ بما إذا كانوا سيمتنعون أو سيعزفون انتخابياً إضافة الى التعرّف على مدى الوعي السياسي والثقافة السياسية التي يتمتعون بها.

وحيث أنّ التصويت يرتبط مباشرة بالديمقراطية التمثيلية التي تعني أن الشعب يمارس السلطة من خلال ممثليه، فقد وجدنا عبر استطلاعنا أنّ 75.7% أعربوا عن رغبتهم بالتصويت في العملية الانتخابية المقبلة، ممّا يدفعنا للانستناج أنّ هناك رغبة بالمشاركة في عملية الإقتراع سواء بالتصويت أو عن طريق العزوف الانتخابي، بينما عبّر 17.1% عن عدم رغبتهم بالمشاركة و7.1% لم يقرروا بعد و 0.1 % لم يختر جواباً.

وعند استطلاعنا للراغبين بالمشاركة عن سبب تصويتهم في الانتخابات المقبلة أعرب 77.5 % أنّ الرغبة بالتغيير هي الدافع الأساس بينما اعتبر 11.3 % أن الدافع هو لممارسة حقّه الدستوري بينما 9.9% من المستطلعين اعتبروا أن سبب مشاركتهم كونها واجب وطني واكتفى 1.3% باعتبار أن دافعهم سيكون من أجل تحسين وضع شخصي.

كل ذلك يدلل على أنّ هذه الرغبة بالتغيير ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم المشاركة السياسية حينما يشعر المحكومون أنهم يتمتعون بحقوق دستورية وحقوق قانونية تمكّنهم من المشاركة في اتخاذ القرار.

وقد بلغت ما نسبته 85.7 % ممّن كان شعورهم بأهمّية الانتخابات النيابية 2022 مقابل 14.3% لا يشعرون بأهميتها ممّا يدلل على انّ شعوراً بالمسؤولية والسلوك الايجابي موجود ويشير ذلك على مدى نموّ فكرة المشاركة السياسية لدى شريحة واسعة من المستطلعين في دائرة الشمال الثانية من خلال تطلعاتهم الى تحويل أهدافهم التي يريدون بلوغها إلى واقع ملموس يرغبون تحقيقه عبر المشاركة السياسية عن طريق صناديق الاقتراع .

واذا كانت المشاركة السياسية تعتبر تجسيداً عن حرية المواطن في التعبير عن رأيه بصراحة، لا سيّما من خلال احدى أهم صورها أي التصويت، وإذا كانت تعبيراً عن حق من حقوقه التي يؤمّنها له الدستور، إلا أنّ المواطن قد لا يلجأ دوماً إلى ممارسة هذا الحق، حيث يوجد الكثير من الأفراد الذين لا يهتمون بالحياة السياسية، ويلجؤون الى العزوف الانتخابي عبر الاستنكاف أو الامتناع أو الكف عن التصويت بحيث تنخفض نسبة المشاركة السياسية الى درجة متدنية ممّا يعني أن العزوف عن المشاركة في الانتخابات غدت ظاهرة اجتماعية تتكرر وتنمو وتتواتر عبر الزمان والمكان.

فعندما يعبّر 24.3% بين ممتنع ومتردد عن التصويت، واعتبار 12.9% أنّ صوتهم لن يؤثر في العملية الانتخابية، بالرغم من أن شعور 85.7% أن الانتخابات النيابية المقبلة هي مهمّة، فإنّ حالة من عدم الاكتراث وفقدان الأمل ستدفع دون أدنى شكّ الى عزوف انتخابي في الانتخابات المقبلة اذا لم يتم تدارك ذلك ومعالجة أسبابه، فقد يلجأ إليها المواطن خصوصاً أنّ غالبية المجتمع تنظر الى السياسة والعمل السياسي وتحديداً مع حراك 17 تشرين أول 2019 على أنّها مرادفاً للفساد، ولم تعد ترى جدوى من ممارستها، لذلك نتوقع أن تقوم هذه الشريحة بالعزوف الموقفي، أو العزوف الناجم عن بدائل استقطاب متعددة تتجلى بالانشغال بثقل الأعباء اليومية، أو ارتياد النوادي والمقاهي .

إنّ قراءة متأنية لاستمارة الاستبيان التي أقيم على أساسها تحليلنا هذا والمؤلّفة من 20 سؤالاً ، رغم الرغبة الجامحة لدى أغلبية المستطلعين للتغيير السياسي والتي بلغت 77.6 واعتبار 90.1% منهم أن الاحزاب السياسية لا تلبي طموحهم، وبالرغم من ترددهم وعدم اجابة الاغلبية على سؤال من الحزب الذي يرضون عن أدائه إلاّ أنّ السؤال الأخير رقم 20 في استطلاع الرأي عن الحزب الذي سيصوتون له، أتت أعلى نسبة لتيارات حزبية، كل ذلك كان كافياً للتدليل على التوجهات الحزبية الكامنة، وأنّ هناك تناقضاً واضحاً لدى المستطلعين قد نعزوه الى غياب البدائل عن احزاب السلطة، حيث لم يفرز حراك 17 تشرين الأول 2019 أي من الوجوه الجديدة القادرة على جذب هذه الاصوات المترددة والساخطة على الواقع، ممّا دفع بهم الى تكرار الخيارات السابقة.
وعليه وفي القراءة الأوّلية والتحليلية للمشهد الانتخابي في دائرة الشمال الثانية مع اغلاق باب الترشيح وقبيل تشكيل اللوائح نجد أن الامور تتجه حتى الآن وفق السيناريو التالي :

  • تكراراً لتجربة العام 2018 سنجد أن الرئيس ميقاتي ليس من مصلحته ولضمان كتلة ذات لون طائفي متنوّع إلاّ أن يلجأ الى الانفصال عن المستقيلين من تيّار المستقبل ليضمن وصول كلّ من المرشحين علي أحمد درويش وسليمان جان عبيد، وبسبب انسحابه الشخصي كان لا بُد من وجود شخصيّة وازنة سنّياً يمكن أن تشكّل رافعة للائحة وبالتالي كانت المصلحة كما يبدو تبنّي المرشح كريم عبد اللطيف كبارة كشخصية سنيّة نال والده في انتخابات العام 2018 ما نسبته 10.15% من أصوات المقترعين ولديه جمهور مستقل عن جمهور المستقبل يضاف اليه ما سُرّب عن دعم الوزير الصفدي له، ممّا يساهم ذلك في جعل هذه اللائحة وازنة ويتوقّع لها الفوز بثلاثة حواصل يُعمل على أن يكون أركانها الثلاث :

1- كريم عبد اللطيف كبارة ( عن المقعد السني في طرابلس )
2- على أحمد درويش ( عن المقعد العلوي )
3- سليمان جان عبيد ( عن المقعد الماروني )

  • ويسعى المستقيلون من تيار المستقبل والذين يحظون بدعم الرئيس فؤاد السنيورة الى تشكيل لآئحة تحاول استقطاب جمهور المستقبل

هذه اللائحة تحمل شخصيتان قويّتان في دوائرهما الصغرى ولهما حظوظ قويّة بالنجاح وهما المرشحان : سامي أحمد فتفت وعثمان محمد علم الدين، وبالتالي تعمل هذه اللآئحة على أن تحصل على 3 حواصل لضمان نجاح المرشح مصطفى علوّش ، ويعتبر حجم التزام جمهور المستقبل بقرار الرئيس سعد الحريري بعدم المشاركة بالاقتراع من أهم التحدّيات في وجه هذه اللائحة كي تؤمّن أقله ثلاث حواصل لضمان فوز أركانها الثلاثة وهم :

1- مصطفى محمد اسماعيل علوش ( عن المقعد السني في طرابلس )
2- عثمان محمد علم الدين ( عن المقعد السني في المنية )
3- سامي أحمد فتفت ( عن المقعد السني في الضنية )

  • وتعتبر لائحة الوزير فيصل كرامي هي الأكثر تماسكاً وتوقعاً لحجمها الشعبي كون جمهورها ملتزم بتوجهات مكوناتها ومن الواضح انّ الوزير فيصل كرامي يعمل على أن تضم هذه اللآئحة طيفاً متنوّعاً يحقق تجميع أكبر قدر من المقترعين لصالحها من هنا وجدنا فيها أركان اساسيون من بينهم المرشحون جهاد مرشد الصمد وطه عطفت ناجي وأضيف إليهما تمثيل للساحة الاسلامية الرسمية عبر المرشّح أحمد عبد القادر أمين اضافة الى مرشّح المردة رفلي أنطون دياب ، هذه اللائحة من الواضح أنّه يتمّ العمل من خلالها لمحاولة الحصول على أربعة حواصل تضمن فيها وصول كلّ من :
    1- فيصل عمر كرامي ( عن المقعد السني في طرابلس )
    2- طه عطفت ناجي ( عن المقعد السني في طرابلس )
    3- جهاد مرشد الصمد ( عن المقعد السني في الضنية )
    4- رفلي أنطون دياب ( عن مقعد الروم الأرثوذكسي في طرابلس )
  • أمّا لائحة الوزير أشرف ريفي المتحالف مع القوّات اللبنانية فليس له مصلحة في أن يكون جزءاً من تحالف مع اللآئحة المدعومة من الرئيس ميقاتي أو من المستقيلين من تيار المستقبل ليضمن وصوله في حال حصول لآئحته على حاصل من هنا نجد بأنّ الوزير أشرف ريفي يعمل على تكرار تجربته أيام انتخابات بلدية طرابلس عبر ضمّ شخصيات تمثّل الأحياء الشعبية ليضمن بذلك تصويت هذه المناطق لصالح لآئحته،أمّا هدفه فمن الواضح أنّه العمل على حصول لآئحته على حاصل ليضمن بالتالي وصوله للندوة البرلمانية .
  • في المقابل نجد أنّ الجماعة الاسلامية في هذه الدورة الانتخابية تعمل على أن تكون بيضة القبّان في أي تحالف انتخابي مع اللوائح التي ذكرت أعلاه، حيث أنها تمتلك كتلة انتخابية ثابتة تتحرّك معها أينما حلّت ومتواجدة في الأقضية الثلاث الصغرى لدائرة الشمال الثانية ممّا يعطي اللآئحة التي تدخل متحالفة معها صوتاً يساهم في رفع حاصلها الانتخابي.

وقد عملت الجماعة الاسلامية كما يبدو، على ترشيح أمينها العام عزّام أيوبي – عن المقعد السني في طرابلس، مساهمة منها في شدّ عصب تنظيمها الداخلي وتأمين أكبر عدد ممكن من أصوات جمهورها وجمهور الساحة الاسلامية لما يمثّله الأيوبي من حضور وتبني من جمعيات وشخصيات اسلامية لها حضورها ووزنها الشعبي، اضافة الى ترشيح الجماعة الاسلامية لمحمود أحمد السيد – عن المقعد السني في الضنية والذي كما يبدو أنّه سعي منها لجمع أصوات مؤيدها في منطقة ثقلها الثاني في الضنية .
وعليه، يمكن القول أن تحالفها مع تيار العزم يساعد في رفع حاصل اللائحة الى أربعة حواصل ويؤمّن في حال تحالفها مع المستقيلين من تيار المستقبل نجاحاً مريحاً للمرشح عن المقعد السني في طرابلس مصطفى علوش وكذلك للوزير أشرف ريفي.

ومما لا شك فيه أيضاً أنّه يساعد في رفع حاصل لآئحة الوزير فيصل كرامي الى خمسة حواصل ويعطي للآئحة الوزير كرامي بعداً رعوياً لكل أطياف الساحة الطرابلسية بشتى أنواعها.

وهكذا نجد أنّ الجماعة الاسلامية في هذه الدورة الانتخابية تمثّل رقماً وازناً وحاجة انتخابية لأي لآئحة تتحالف معها، حتى وإن سعت الى تشكيل لآئحة تضم وجوها تغييرة من المجتمع المدني خصوصاً مع التوقعات بانخفاض الحاصل الانتخابي الذي سيتيح للقوى التي تمتلك قواعد صلبة وثابتة أن تحقق خرقاً لقدرتها على التنظيم.

  • يبقى أن نشير إلى المجتمع المدني الذي يقف أمام تحدي كبير يتمثّل بتوحيد لوائحه بلآئحة واحدة إن أراد أن يتمثّل في الندوة البرلمانية، حيث يضم هذا الطيف وجوهاً شابّة توّاقة للتغيير وبعضها يمثّل نخب وازنة ويتوق جمهور واسع راغب بالتغيير لوصول وجوه جديدة خارج اطار الطبقة السياسية التقليدية ، لكن تشتيت لوائحه ستضعفه وتساهم في خسارته وخسارة الأمل المعقود عليه ويساهم في تخفيض للحاصل الانتخابي ممّا سيفقد هذه التجربة فرصتها بالنجاح إن لم يتم الاستدراك وتوحيد الجهود.

بناء لما تقدّم، على المواطنين الراغبين باحداث التغيير وبناء مجتمع مدني ومتحضّر أن يدركوا أن فشلهم في صناعة ونشر الوعي السياسي السليم والمطلوب لإحداث التغيير سوف ينتج عنه فراغ سياسي في المجتمع الذي سوف يملئ بوعي آخر قد يكون زائفا أو عاجزا أو مستسلماً وعندئذ سوف يستمر الدمار ويسود الظلم وينتشر الفساد.

المصدر : موقع الفيحاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى