المقالات

تركيا و”إسرائيل” بين السياسة والاقتصاد \ بكر أبوبكر

في خطاب المواجهة للإسرائيلي، وضده مباشرة فعل النكوص عنها، نجد الساسة يستخدمون آلية الاستهبال أو الاستحمار للجماهير (بمصطلح المفكر علي شريعتي).

يتم أخذ الجماهير عبر التضليل أو التعمية على الحقائق النقيضة على الأرض خاصة بين السياسة والصوت أو الخطاب الصادح وبين الاقتصاد والتناقض الفج، في قول لا يصدّقه عمل وإنما عمل يفضح القول، واليكم النموذج.

في العلاقة مع “إسرائيل” والنموذج التركي (المرتبط بقيم أيديولوجية الاخوان المسلمين) المتناقض تناقضًا حاسمًا بين الخطاب الناري لرئيس الدولة وحزبه، فيما يفسرونه براغماتية/عملانية/ذرائعية، وبين العلاقات الاقتصادية المتينة بين دولة الكيان الصهيوني نجد الحقائق التالية كما نقتبسها من مقال الكاتب نور الدين العايدي أواخر يناير 2024م كالتالي:

1- حافظ التبادل التجاري بين الطرفين التركي والصهيوني على وتيرة متصاعدة دون تراجعٍ جوهري يُذكر، إذ ارتفع من 1.4 مليار دولار عام 2002 إلى ما يقرب من تسعة مليارات دولار في 2022.

2- شكلت أزمة مجزرة سفينة مافي مرمرة عام 2010 صدمة تاريخية أثرت لسنوات على جوانب عدة في العلاقات الثنائية، إلا أن العلاقات الاقتصادية التجارية حافظت على استثنائيّتها واستمرت بالنمو اللافت رغم الأزمة الكبيرة.

3- يمكن اعتبار العام 2022 نموذجًا بارزًا للعلاقات التجارية بين البلدين، حيث احتلت تركيا المرتبة الرابعة بين أكثر المصدرين إلى «إسرائيل» بواقع 6.7 مليار دولار، وهو ما يمثّل رقمًا قياسيًا جديدًا بينهما.

4- أن الحديد الصلب التركي على وجه التحديد يشكل المنتج الأكثر تصديرًا إلى السوق الإسرائيلي، بما يغطي 65% من احتياجات «إسرائيل» للصلب، الذي يدخل في شتى الصناعات بما فيها العسكرية.

5- تعتبر تركيا رابطًا اقتصاديًا استراتيجيًا غير مباشر بين أنقرة وتل أبيب يتمثل بأن تركيا، بفضل موقعها الجغرافي وإمكانياتها البنيوية، تعتبر ممر طاقة رئيسٍ في المنطقة، فيما تعتمد «إسرائيل» في أكثر من 60% من إمدادات النفط على النفط الأذربيجاني والكازاخستاني الذي يمر عبر الأراضي والمياه التركية، وهو الطريق السالك دومًا.

6- وحسب المعارضة التركية وبينما كان الرئيس أردوغان يهاجم «إسرائيل» في خطاباته الشعبوية كان ابنه يشارك في التجارة معها.

7- يمكن ربط هذه الزاوية من العلاقات التركية الإسرائيلية أيضًا بطموحات تركيا لمد أنابيب نقل الغاز من «إسرائيل» إلى أوروبا عبر تركيا، إضافة إلى التعاون في التنقيب في شرق المتوسط

إذن في الاقتباس مما سبق تتقابل الذرائعية وتتواجه مع القيم والمباديء الجامعة، وتكاد (بل هي) تتصادم مع أصحاب الفكر الأيديولوجي كحزب أردوغان!؟

لكنه في إطار رنين الخطاب الصارخ لأردوغان مع دولة فلسطين، ومع ضمانته ل”حماس” كما كرّر، وضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة “ظلت المقاطعة (الشعبية للبضائع الإسرائيلية في تركيا) دون المستوى الرسمي في ظل استمرار حزب العدالة والتنمية حتى وقت كتابة هذه السطور في تبني مقاربته التقليدية التي تفصل ببراغماتيّةٍ بين الاقتصاد والسياسة، ما أثار جدلًا لدى أطراف مختلفة داخل وخارج تركيا.” كما يقول أيضًا نور الدين العايدي.

مضيفًا في موقع حِبر أن “”حملات قواعد حزب العدالة والتنمية ضد علامات تجارية داعمة لـ«إسرائيل» صارت محلّ تندرٍ من المعارضة على المستوى الشعبي والحزبي على اعتبار أن «القهوة أو الكولا لا تقتل الأطفال، بل الأسلحة المصنوعة من الصلب المصدر من تركيا هي من قتلت آلاف الأطفال» كما صرح بذلك أحد النواب عن حزب الشعب الجمهوري.”

إن فكرة التناقض السياسي الشديد مع الفكر الأيديولوجي الجامع لذات الإطار، بل ومع المباديء والقيم الأساسية تجدها لدى كثير من القادة والذين يغلبون الذرائعية الانهزامية على العقل المليء بالمباديء، ويتمكنون بطريقة لافتة من الفصل بين أن يكون ضد الشيء ومعه بنفس الوقت!

ولن أجد أصدق من المثل العربي في هؤلاء حين قالت العرب “أشبعناهم شتمًا وفازوا بالإبل” والتي يمكننا تحويرها لتكون أشبعانهم شتمًا وفوّزناهم بالإبل! إذ لا بأس من شتم “هتلر” وبقسوة وامام الملايين وندعمه بكل ما نملك ليفوز!.

رغم أن مستويات القوة التي يمتلكها الانسان أو الدولة أو الحزب يجب أن تكرس لحماية الفكرة الجامعة وللقيم والمباديء والأخلاق أولًا مهما كانت التضحيات المادية فإن الانقلاب بالعقل نحو الرأسمالية الوقحة والمادية الجارفة لدى عديد الساسة يأتي على حساب ما يحملونه من أيديولوجيات او أفكار براقة سواء تغنت بالاسلام العظيم أو استغلته للضحك على ذقون الجماهير، أو تغنّت بحقوق الانسان كما الحال عند الغرب الرأسمالي المتوحش للمزيد.

إن انعدام القيم الجامعة وفقدان الاحساس بكرامة الامة، وتعملق القيم الرأسمالية الاستهلاكية، وانتشار الانصياعية الحزبية والحفاظ على الذات العليا والحزب أو الحكم والسطوة، أصبحت سمة لازمة للقائد الانتهازي.

ولقد أتقن عديد القادة الانتهازيين صناعة استغفال الجماهير بالتهييج والتحشيد والأسر من جهة، وبممارسة “الشطارة” بالفصل من أن تكون ضد الشيء كلاميا ومعه عمليا!؟

مع حالة الاستغفال والاستهبال الجماهيري أصبحت فكرة التحالف مع الشيطان لمصلحة الانتهازي حتى لو كان ضد ابن جلدته او شقيقه، هي الهدف الأسمى مهما تعطرت سيرته بخطابات صارخة وعظيمة فهي مما يقابلها أفعال شنيعة أووضيعة أو متناقضة.

ومن هنا قد نستطيع أن نجد الإجابة لسبب تساوق الجماهير (الحزبية) أو التي يتم تجهيلها سياسيًا أولًا، ثم استغفالها إعلاميًا، والكذب عليها باسم الدين/الحزب/القائد ثانيًا، ثم توجيهها ثالثًا بالقمرة (كاميرا/الصورة) حيث يريد الزعيم، فتثور وتنفعل حسب الوجهة المحددة، وتنسى التناقض! وهي المأسورة لحالة التهييج ثم التخندق وراء الزعيم او الحزب أو الفكرة.

لك الله يا فلسطين ولك الله يا صاحب المباديء والقيم، وللجماهير حسن العزاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى