المقالات

غزَّة تنتَصِرُ في لاهَاي … والعُربُ يستمر في لَهوَاي …كتب الإعلامي د. باسم عساف

    *القضية الفلسطينية ، منذ نشأة أزمتها على أيدي الصهيونية العالمية ، ونشوء فكرة إقامة الوطن القومي اليهودي ، على أرض فلسطين ، تحت شعار أرض الميعاد وبناء هيكل سليمان ، وإعادة أمجاد مملكة داوود ويهوذا ، وإنطلقت الفكرة من المؤتمر اليهودي العالمي ، الذي عقد في بازل بسويسرا سنة/١٨٩٧  ، والذي تبنَّته بريطانيا سنة / ١٩٠٧ ، وعملت على تنفيذه مع إنتصار الحلفاء ، في الحرب العالمية الأولى ، على دول المحور ومنها السلطنة العثمانية ، التي تعود أرض فلسطين كإحدى ولاياتها ، وقد تعهدت بريطانيا لليهود ، عبر وعد بلفور سنة ١٩١٨/ ، وذلك بإستقدامهم من شتات الأرض ، وخاصة من أوروبا إلى فلسطين وإستيطانهم في أرضها ، تمهيداً لإقامة وطن لهم ، حيث تم لهم ما أرادوه ، في ظل الإحتلال البريطاني ، حتى تمَّ تكريس دولة إسرائيل في الأمم المتحدة ، بتآمرٍ دولي وخضوعٍ عربي ، وخيانة كل المنافقين المتعاونين مع اليهود ، سراً من تحت الطاولة ، وعلانية من فوقها ...*
     منذ بدء التواجد اليهودي على أرض فلسطين ، وتشغيل عصاباتهم بالمجازر والتهجير القسري ، وهم يستميتون لمد سيطرتهم بالقتل والإبادة للشعب الفلسطيني ، والتوسع الإستيطاني لإحتلال كامل فلسطين ، والإدِّعاء بها لتكون الوطن القومي اليهودي ، وفق مخطّط التآمر الدولي ، المؤيد لهم بالسيطرة على المنطقة العربية الوسطى ، التي تمتدُّ من مصر والسودان ، وحتى العراق ، مروراً بسوريا والأردن والسعودية والبحرين ...   
 *وهذا ماورد في مضمون شعارهم ، الذي وضع على صدر حائط قاعة الكنيست : (أرضك يا إسرائيل ، من الفرات إلى النيل) ، وكما ورد في النشيد الإسرائيلي : بإبادة وقتل كل من هو ضدهم ، ويقف بوجه تحقيق غايتهم في هذه المنطقة ، وهذا ما ينفذه الكيان اليهودي منذ نشأته ، ويقوم على أساسه بالقتل والحروب والإجرام ، ويستمرُّ على ذلك منذ أكثر من مائة سنة ، وهي أطول فترة حروب في العالم بالتاريخ الحديث ، وهي تحظى بتأييد الدول الكبرى وبقية الدول التابعة ، التي تناصرهم وتتعاون معهم ، إما فزعاً ، أوطمعاً ، أوتطبيعاً وتطويعاً ، وهذا ملفتٌ للنظر عند المراقبين والمتابعين...*
      إن الحروب التي خاضتها الأنظمة العربية المحيطة بفلسطين (دول الطوق) منذ سنة /١٩٤٧/ وحتى/ ٢٠٠٦/ التي إجتاحت فيها القوات الصهيونية جنوب لبنان ، وحتى وصل إحتلالها للعاصمة بيروت ، لم تكن سوى  سيناريوهات من أشكال الحروب والمواجهات التوافقية ، التي أدت نهايتها للوصول إلى التسويات ، أو تثبيت الكيان بمواقع جديدة ، من خلال الإتفاقات المسبقة الدفع ، التي أوصلت الجيوش العربية إلى الإنهزام والفشل ، لأي مشهد من مشاهد النصر ...
    *حيث أنتجت صورة  ومقولة : (الجيش اليهودي الذي لا يقهر) لتكريس ذلك في نفوس الشعب العربي كحربٍ نفسيَّةٍ لترويج الإنهزام وإماتةِ المعنويات ، وبالتالي القبول بأي إتفاق ، يقوم به الزعماء العرب مع الكيان اليهودي ، وكان ما كان ، حيث خرجوا جميعاً بمؤتمرات القمة ، كالمؤتمر الإسلامي ، وكجامعة الدول العربية ، والتعاون الخليجي ، بقاعدة : (الأرض مقابل السلام) ، أي أنّهم باعوا القضية وتنازلوا عن الأرض ، التي هي من حق الشعوب ، التي جاهدت وناضلت وبذلت الدماء والشهداء ، من أجل أن تكسبها وتعيش بأمن وأمان وسلام ...*
  فإذا بالعربان يهدونها  لعدو الشعوب ، لأجل كسب السَّراب في عرائن السلطة والمال ، ويصدِّقوا الأكاذيب والتلفيقات بالسلام المزعوم والموهوم ،  ودون مراعاةٍ للحديث الذي يقول : *(لا يُلدغُ المؤمنُ من جحرٍ مرتين)* ،  فكيف بمئآت المرّات ، وعشرات السنين والإتفاقات ، التي تنفَّذ بحذافيرها من جهة الأنظمة العربية والإسلامية ، ولاتطبيق لها في مبادئ وأعراف  ونهج الكيان اليهودي ، الذي يعرف بما يخطِّط  ، وما ينفِّذ ، وما يهدُف...
    *إذ يفتقد ذلك معظم الأنظمة المتنافسة بالهرولة إلى التطبيع ، المغلَّف بالوعود العرقوبية البريطانية ذاتها ، التي دغدغت الأشراف المتعاونين عبر الخيانةالكبرى ، التي جرت عقب الحرب العالمية الأولى ، والتي أنتجت تكريس السرطان الصهيوني في جسد الأمة ...*
       إنَّ تحرُّك الشعب الفلسطيني وإنتفاضته الأولى ، من خلال أطفال الحجارة  ، ثم بالثانية عبر شباب الإنتفاضة والعمليات الإستشهادية بالصدور العارية ، التي أذهلت الكيان بشجاعتهم وبذل أغلى ماعندهم في الحياة ، ليتاجر بها المتخاذلون ويطوقونها بالعمالة ، وكادت القضية الفلسطينية ، أن تغيب عن ساحة الصراع العالمي والعربي وحتى المحلي ، بإشغال الشعوب العربية بمتاهات التناحر والتنافر  والتعافر ، لم تشهدها ساحات حروب داحس والغبراء ، وفتنٍ نتنةٍ كقِطعِ الليلِ المظلم ، التي يُصبح فيها الحليم حيرانا ...
  *وكاد الأمر ينعكس على الشعب العربي بربيعه ، ليتحول إلى خريفه ، الذي يُسقط كل الأوراق الذابلة والصفراء ، لينسوا وراءَها مُتابعة الجهاد لقضيتهم المركزية ، ويتحولوا إلى الخوض بمعترك قضايا هامشية ، تزيدهم شرذِمَةً وتفتيتاً وتباعداً ، وهو ما تهدف إليه خارطة الطريق ، والتي وصلت إلى نهايتها بالتطبيق والتسوية بالتقسيم ، لدول المنطقة بخطوطٍ طائفيةٍ ومذهبيةٍ وعنصريةٍ ، تخُطُّها أيادي الصهيونية ، تنفيذاً لغاياتها الشيطانية ، التي تتحكم بها في السياسة الدولية والسيطرة العالمية ...*
      لقد جاءت عملية طوفان الأقصى ، من حماس وسرايا القدس ، لتقلب الأمور رأساً على عقب ، وأدارت  الخريطة لتصبح معكوسة ، وعلى قياس /١٨٠ درجة عسكرية ، فباتت زمام الأمور بأيديهم ، وباتت الهلوسة والجنون والتخاذل من صفات اليهود ، وباتت حكومة الكيان مهيضة الجناح ، وتلهث وراء تطبيق الشروط الحماسية ، التي تتحكم بمفاصل مسرى الحرب العبثية ، التي تستخدم إبادة المدنيين الجماعية  ، والتدمير الشامل للمدن والأحياء الشعبية ، كعقدة للتعويض عن الخسائر والهزائم المادية والمعنوية ، لكل من إصطف لنجدة الكيان ، وكل مرتزقة الشتات ، الذي يناصرهم ليس من أجل الإنتصار ، إنما للتخفيف من الفضائح للوجوه والشعارات ، التي إنكشف سترها : من الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، إلى كافة المنظمات الدولية المزيفة ، والتي تتلاعب بمشاعر وعواطف البشر وإنسانيتهم ، لتملي عليهم بأن السلام والشفافية تأتي عبرهم وعلى أيديهم ، لمحاربة الإرهاب والعنف الذي يجتاح العالم ، فإنقلب السحر على الساحر...
    *إن الأنظمة العالمية ، التي كانت تتحكم بالسياسة الدولية ، وبالإقتصاد العالمي ، وبعالم المال والأعمال والإعلام ، وحتى بالصحة والدواء  ، ومعظم شؤون الدول والشعوب ، باتت اليوم وبعد طوفان الأقصى وتداعياتها ، تشد الحصار على غزة حتى من قطرة ماء ، وقطعت المساعدات عن( الأنروا) لتأكيد المشاركة بالإبادة الجماعية للاجئين الفلسطينيين ، فتظهر جميعها بتكشير الأنياب ، وتطويل الأظافر ، وإظهار صورة دراكولا الحقيقية ، لإمتصاص الدماء  ، من الأطفال والنساء ، وقد فجَّرت حماس الصيحة والنداء ، للشعوب الحرَّة بكل الأرجاء ، ولتقول كلمتها العصماء ، بأن الكيان ومَن وراءَه هم الأعداء ، وأن هذا السرطان هو الداء ، الذي يستوجب إستئصاله من كل الأجواء ،  فباتت المواجهة بين الشعوب الحُرَّة وبين الدول الألدَّاء ،  ليجد العالم نفسه مع الأبطال الأشدَّاء ، في قضيتهم العادلة بعد إزالة الغباء ، فتصدَّرتها جنوب أفريقيا عوضاً عن الأشقياء ، بإقامة الدعوى بمحكمة العدل الدولية على الأغبياء ، بما جنت أيديهم في إبادة الأبرياء ، فحَصحَص الحق وبانت الحقيقة بكل إباء ، وصدر الحكم  وهزَّ الأصداء ، وجاء النصر لغَزّة وأبطالها في لاهاي بكل بهاء ، لتبقى أنظمة العرب في العمالة ودوَّامة الإلهاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى