فلسطين

جبهة النضال الشعبي .. المنهجية والبرنامج والطريق بقلم : حكم طالب *

في هذا المقال سأحاول تسليط الضوء على تجربة نضالية غنية ومسيرة طويلة تركت أثراً كبيراً وعميقاً لديّ ، وأسهمت بشكل كبير في ترسيخ وتعزيز قناعاتي وبناء شخصيتي ووضعت حجر الاساس ونقطة انطلاق لرؤيا علمية ومنهجية وتقدمية تستند الى صدق الانتماء والمبادئ والمصلحة الوطنية ، تجربة ” جبهة النضال الشعبي الفلسطيني ” كفصيل أساسي ومؤسس في منظمة التحرير الفلسطينية ، ورافد من روافد العمل الوطني ، وهنا أود التركيز على العديد من المحطات التي شكلت محاور أساسية في مسيرة الجبهة الغنية ، والتي تركت وقعاً وأثراً كبيراً على توجهاتي وانتمائي نظراً للدور المركزي والأساس الذي لعبته الجبهة في اطار الحركة الوطنية الفلسطينية لأكثر من 52 عام النضال والكفاح قدمت خلال هذه المسيرة النضالية الطويلة من رموزها وقادتها وكوادرها وأعضائها شهداء وجرحى ومعتقلين على طريق الحرية والاستقلال والعودة.

ان انطلاقة الجبهة كان رداً طبيعياً على دولة الاحتلال لاستكمال مشروعها الاستيطاني الكولونيالي الاحلالي على أرض فلسطين وعلى الواقع العربي المهزوم والعاجز عن استرداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، واستندت في انطلاقتها لقاعدة أساسية أن الشعب الفلسطيني هو رأس الحربة في النضال وعليه أخذ زمام المبادرة والحفاظ على البعد العربي والقومي والعالمي ، الذي ميز انطلاقتها في البداية أنها من داخل فلسطين ، من رحم المعاناة من قلب مدينة القدس العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية ، مارست خلال مسيرتها النضالية كل أشكال العمل النضالي من العمل الشعبي ، حيث مارسته منذ بداية انطلاقتها وأبدعت في مجالات عديدة إلى العمل العسكري النوعي الذي كان له حضور بارز في مسيرتها ، فعملت إطار خطين متوازيين ، البناء التنظيمي وفق الأصول التنظيمية ووفق هيكلية تنظيمية تضمنت لجان نشطة وفاعلة وكفؤة على كل المستويات من جهة ، وإنشاء القواعد العسكرية وإقامة معسكرات للتدريب من جهة أخرى ، وتوسعت وانتشرت بين صفوف أبناء الشعب الفلسطيني بفترة قياسية ، وشاركت في كل محطات النضال ، وكان لها دور مهم على الصعيد السياسي حيث تميزت مواقفها السياسية بالصراحة والوضوح المستندة إلى فهمها لطبيعة الصراع ومعطياته وتحليله على أسس تعتمد على وثائق وأدبيات الجبهة ورؤيتها وفلسفتها التي تستند الى المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني وللمصداقية التي تتسم بها الجبهة ، وهذا يفسر سبب النشاط السياسي والدبلوماسي ولقاءات السفراء والقناصل للأمين العام للجبهة د .أحمد مجدلاني .

لعبت الجبهة دوراً أساسياً ومحورياً في تأسيس وبناء منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وقادت نضال شعبنا في الداخل والخارج وفي كل المحطات وعملت على نقل قضية شعبنا من قضية اغاثية إنسانية إلى قضية شعب سلبت ونهبت أرضه ومُسّت حقوقه ، ويناضل من اجل استردادها وكان له مشاركات وحضور ودور مميز في دوائرها ومؤسساتها وأسهمت إسهاماً كبيرًا في بناء السلطة الوطنية ووزاراتها ومؤسساتها فكان د. سمير غوشة أول وزير للعمل وبنا هيكليتها ودوائرها وأقسامها وأنجز قانون العمل الفلسطيني ، وتسلم د. احمد مجدلاني وزارة الجدار والاستيطان ووزارة العمل والزراعة وحالياً وزارة التنمية الاجتماعية ، والذي وضع قانون الحد للأجور ولأول مرة في تاريخ السلطة الوطنية والضمان الاجتماعي وتعزيز الحوار الاجتماعي وهذا انسجاماً مع فكر وسياسة الجبهة بالعمل على رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تسهم في تعزيز صمود أبناء شعبنا وانحيازا للطبقات الفقيرة والمهمشة من أجل حياة كريمة وتحقيقا للعدالة الاجتماعية ، وهذا النجاح والتميز في الاداء على صعيد المهام الوطنية ينم عن انتماء حزبي حقيقي وعالي المستوى ومتسلحا بفكر ورؤيا الجبهة وأيديولوجيتها.

من المحطات التي استوقفتني خلال مسيرتها أنها عملت بكل جد من أجل الحفاظ على الحياة الديمقراطية الداخلية وحرصها على انتظام عقد المؤتمرات التنظيمية والحفاظ على دوريتها من أجل رسم السياسات والخطط وتعزيز مبادئ وقواعد المحاسبة والمساءلة وحرصت على انتظام اجتماعاتها ودوريتها ، ومشاركة كل رفيق ورفيقة في رسم سياسات الجبهة وخططها من خلال إبداء وجهة نظره ورأيه في الاجتماع التنظيمي ورفعه للهيئات المركزية للأخذ بها في اطار توجهاتها ورؤاها ، فأكدت في نظامها الداخلي على مبدا الديمقراطية في علاقاتها الداخلية ومع الجماهير ، وأبدت الجبهة اهتمامها ورعايتها بأعضائها كافة وتعزيز انتمائهم وحرصت على بنائهم ورفع مستوى قدراتهم وصانت حقوقهم وفق قواعد واحكام النظام الداخلي وسطرت الجبهة نماذج مشرقة في الاخلاص والوفاء لأعضائها حيث شكل محل وفخر واعتزاز.

حرصت في اطار تجربتها النضالية اهمية العلاقات بكل مستوياتها ودورها في تعزيز دور ومكانة الجبهة وكان لها رصيد كبير في ذلك وتجسد ذلك في علاقاتها مع كافة حركات التحرر والأحزاب العربية وكذلك مع الأحزاب الدولية والمنظمات الدولية والإقليمية وتوجت نضالها المتواصل بالحصول على عضو استشاري في الاشتراكية الدولية كمنبر دولي في غاية الأهمية وكذلك التحالف الدولي التقدمي ، وهذا استنادا إلى هويتها الفكرية باعتبارها حزب وطني ديمقراطي اشتراكي ، وكذلك حافظت على علاقات وطيدة مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة وبخاصة مع الدول العربية وروسيا ودول أمريكا اللاتينية جمهورية الصين الشعبية والحزب الشيوعي الصيني ، وفي إطار العلاقات أيضًا حرصت على أهمية تعزيز العلاقات الوطنية بين أطراف الحركة الوطنية وفي صيغة التنسيق الفصائلي وصبت اهتمامها وجهدها أيضًا في بناء القطب الديمقراطي في الساحة الفلسطينية لأهميته في احداث التوازن ، وكذلك مشاركتها ومبادرتها في العديد من الصيغ الوحدوية التي تستند الى تعزيز مبادئ وقيم الشراكة الوطنية الحقيقية والى المصالح الوطنية العليا لشعبنا الفلسطيني وعلى قاعدة التناقض الرئيسي مع الاحتلال.

أعتقد ، بل اجزم أنها تجربة نضالية غنية استخدمت المنهجية والعلمية في عملها وأدائها وحسب الخطط لتعزيز مبادئ المحاسبة والشفافية والمساءلة ، تستحق الوقوف أمامها ودراستها ، وأنا حقيقة من الذين درسوا هذه التجربة بعمق وشمولية من خلال بحث علمي للحصول على درجة الماجستير حيث استندت في دراستي إلى وثائقها وأدبياتها وبمنهج علمي مستخدما أسلوب المقابلة مع رموزها وقيادتها وكوادرها في كل مجالات العمل التنظيمي والنقابي .

حقيقة أعتز وأفتخر بانتمائي لهذه الجبهة النابع من قناعاتي بفكرها ورؤيتها وأيديولوجيتها وفلسفتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى